Political analysis and news about the Arab nation, and a platform for free speech for writers and journalists enslaved by mainstream media. تحليلات سياسية واخبار الوطن العربي ومنبر حر للكتاب والصحافيين المضطهدين في الاعلام التقليدي والرسمي
Saturday, December 4, 2010
التعادلية
التعادلية
امتياز دياب
منذ اختلاف معادلة قوة العقل وقوة القلب
وبسبب انتصارات العلم... التي انتجت القلق
لأن ادراك القوى الغير مرئية...يكون للقلب تمام الحرية
وإذا قتل القلب، يتربع القلق...
إن حرية الإرادة عند الإنسان، مقيدة من انسان آخر..
أذا كانت ارادة الإنسان حرة، اذا فهو مسئول عن تصرفاته،
وهنا نصل الى الخير والشر
واذاوصلنا الى ان الانسان مسئول عن فعل الخير وفعل الشر
نكون قد وصلنا الى الضمير
الضمير متعلق بالذنب
وللمعادلة بين الذنب
نصل الى العدالة
أي ان الضمير هو العدالة
والضمير هو مصدر قلق للانسان
من هنا تقوم الثورة
الثورة على الظلم
لكي يتعادل الظالم والمظلوم
واذا تعادل الظالم والمظلوم واصبحا واحداً
لا بد وان تقوم ايادي خفية تعارضها
وهذه بدورها ستكبت وتهزم
لكن العدالة ستأتي حتماٍ مرة أخرى وهكذا....
كل فعل له الفعل الذي يرد عليه ليحدث التعادل
لنأخذ المفكر والحاكم
المفكر هو الضعيف الوحيد امام الحاكم
ينتصر الحاكم على صاحب الفكر، من خلال استدراجه لألغاء وجوده
تماما مثل مثل الزوج الذي يلغي فكر زوجته، من خلال التدجين،
وكذلك الزوجة تدجن شريكها في مهامها اليومية لإلغائه
لأن التعادل بين الحرية والالتزام ، غير موجود
لأن الالتزام تحول الى الزام
وبالتالي فقدت الحرية وفُقد الكيان
لانهما تحولا الى عبيد لشيء مضى اوانه و تغيرت عليه الظروف
وبهذا تضيع المواقف،
وبالتالي تضيع العبارة التي يتبادلها الأبناء،
ليحملوها الى الزمن الآتي....
لانهما تحولا الى عبيد لشيء مضى اوانه و تغيرت عليه الظروف
وبهذا تضيع المواقف،
وبالتالي تضيع العبارة التي يتبادلها الأبناء،
ليحملوها الى الزمن الآتي....
عصير اللوز هو مرامهم
عصير اللوز هو مرامهم
امتياز دياب
"ما من أحد جاء الى القدس، إلا وفي نيته ان يأخذ منها او يأخذها، لكن آخر الزائرين يبدو أن في نيتهم أخذها تماما، ليس أخذها تماما، وإنما تحويلها الى شيء آخر، شكرا لله الذي أخذ نظري وعماني منذ عامين لكي لا أرى أكثر مما رأيت".
هكذا بدأ عبد الله توفيق البديري حديثه معي وهكذا أنهاه. التقيت بعبد الله البديري في بيته المحاذي تماما للأقصى، والمشرف كليا على الصخرة، بحيث يمكن للمرء أن يتمشى على سطح مكتبة البد يري، ويخيل إليه أنه يحتضن الصخرة، وللمرء أيضا أن يتخيل بأنه يضع خده على القبة ويريح رأسه عليها.
التقيت بالبديري في أواسط شهر رمضان. كانت الحرارة لا تطاق، ويقال إنه لم يسبق لها أن وصلت الى هذه الدرجة المرتفعة في القدس في تاريخها كله.
ما إن أخرجت قدمي من الباص المكيف حتى شعرت بأن نارا قد أوقدت فيهما، فعدت بكتفي نحو الداخل، لكن المتدافعين من الباص دفعوني خارجا بالقوة ودلقوني في وسط لهيب مشحون بالغبار والضجيج. لم يكن هناك شيء يسمى فراغا لكي أضع قدمي اللتين انتعلتا صندلا صنع في مدينة الخليل.
لم يقل لي أبو جودت إن صنادل الخليل لن تحميني من الاصابات، بل ركز على أنه صنع من الجلد الأصلي. ولكي يثبت لي ذلك، أشعل بابور البريموس ووضع الصندل عليه. وفعلا لم يحترق. نظر إلي أبو جودت متمتعا بدهشتي، قائلا إن هذا الصندل لن يحترق ولن يبلى أبدا. وعندما لفه بجريدة القدس القديمة، قال: "القدس راح تبلى قبل منه، لكن ما تخافيش ما دام أهل الخليل موجودين هون عمرها ما بتروح القدس".
كان علي أن استعمل خبرة لم اكتسبها بعد في المرور في أروقة صنعتها الباصات المتراصة والهادرة بانتظار ركاب جدد للعودة بهم الى قراهم المجاورة للقدس. اختلط زعيق زمامير الباصات بصراخ الباعة الذين نشروا بضاعتهم على طريق نابلس الموصل الى باب العمود، وبدقات قلبي التي أخذت تتسارع، وهي خلطة من الضجيج كافية لأن تصيب الإنسان بالصمم.
ساعة وينطلق آذان الظهر، لكن للسير لمدة عشر دقائق وهي المدة الطبيعية للوصول الى الحرم الشريف قبل الصلاة، لكن اليوم على المصلي أن يتخبط في أمواج من البشر لمدة ساعة في أحسن الأحوال قبل أن يصل الى بيت الله. أما الخبراء في البلد منهم فقد وصلوا قبل ساعتين.
مررت كالراقصة فوق بسطات الكتب والأواني المطبخية الملونة ومررت بين بسطات الكعك المسمس وأخرى للهواتف المحمولة وآلاف آلاف الأصناف من الطعام والفواكه والصحف وغيرها وغيرها.
عند وصولي الى شارع الزاهرة الذي يتعين الانتظار لقطعه عرضا ثم النزول على درجات للولوج من قنطرة باب العامود الى البلدة القديمة، هنا بالذات كان علي الانتظار لمدة ربع ساعة لكي أجد مكانا لي في فتحة بين حاجزين من الحديد يفصلان الرصيف عن الشارع. فشلت في المرة الأولى ثم في الثانية، وفي الثالثة أيقنت أن من الأسلم الاحتماء بظهر رجل عريض وضخم لكي أتلافى دوس الأقدام على قدمي شبه العاريتين الا من كف جلدي. كل ما حف بالأرض أثار غبارا أسود بلون الدخان المنبعث من السيارات المنتظرة للسيل البشري ان يتوقف عن التدفق.
لم ينته الجهاد بعد، بل بدأ عند وصولي إلى قنطرة باب العمود ، التي التحمت تحتها أكتاف آلاف البشر، وحشرت كتفي بينها، ثم ركبتها كما يركب الموج، ولكن ما إن غاب كتفي عن نظري حتى لفظني الموج بين بسطتي كعك وبسطة ألعاب أطفال، غرق صاحباهما في الضحك من المشهد. عاودت الكرة حانقة من ضحكهما، فدفعت بنفسي نحو الموج بقوة هذه المرة، لكن الموج قذفني فوجدتني أتراجع مع بعض الأجساد ثلاثة امتار نحو الدرجات. فما كان لي إلا أن أجلس على إحداها لالتقط انفاسي، ولأضع خطة للنفاذ الى البلدة القديمة.
كانت خطتي في منتهى الاستسلام، وهي أن انتظر الى ما بعد الصلاة. فجلست استمع الى جوقة زعيق الباصات وأصحاب الباصات، وكنت أتمنى الصمم من صميم قلبي.
قرعت جرس باب البديري وأنا لا أدري كيف سأفسر لشيماء ابنة عبد الله البديري سبب تأخري، وهي التي أكدت لي ان ربع ساعة تأخير عن موعد والدها يعني الغاء الموعد نهائيا.
بادرت شيماء بالقول إن هذه المدينة ستتحول الى حطام خلال عقد من الزمان اذا لم يجدوا حلولا سريعة لهذه الأزمة. تصوري، كم قرنا من الزمان عاشت هذه المدينة؟ وأمام كم غزو صمدت؟ وقارنيها بعدد السنوات تحت الاحتلال الاسرائيلي، فستجدين أن الخراب الذي أصابها وأصاب عماراتها وآثارها في هذه الفترة القصيرة هو عشرات المرات أكثر مما أصابها على مر العصور! ماذا يقول لك ذلك؟
عندما صافحت عبد الله البديري لاحظت أنه لا يراني وأنه أعمى تماما، ولاحظ هو ارتباكي لا أعرف كيف، فقال:" ريحني العمى من رؤية عراضات الزعماء على التلفزيون، مسكين التلفزيون كان يضل مبلول من بصقي عليه، ارتاح مني".
" حمام العين هو عيَنة يا بنتي من القدس، هو رمز الاستيطان، والانهيار والاهمال. أنا بالنسبة لي حمام العين رمز لأنه اثناء حرب 1948 استعملت مصاطب الحمام مكانا للقيادة، تشكلت لجنة القدس، ومن هناك كانت تطلع المناشير".
سألني عبد الله: لماذا لا توثق القدس كلها؟ لماذا لا تحكى قصص كل زاوية في القدس؟ بما أنه وفي جميع الأحوال البلد رايحة، على الأقل ترك هذه الذاكرة الحية للأجيال القادمة.
ثم أرخى بقايا أهداب على عينين لا بريق لهما وهمس قائلا:" قال الله لا يفلح الخائن حيث أتى" ثم فتح عينيه وكأنه يراني فذعرت وحمدت الله أنه لا يراني وقال:" العرب أصحاب حق لكن خانوا حقهم، واليهود أصحاب باطل، لكن أخلصوا لباطلهم. الانسان لما يخون حقه فهو بالتالي يخون وجوده".
سقطت القدس في ثلاثة أيام، وسقط كل شيء فيها بيد اليهود. حمام العين سقط معها، وقد كان منتدى لحل المشاكل، ولعقد الصلح بين الناس بعد صلاة الجمعة. كان حمام العين مخزنا للأسلحة، وكان مكانا يلتقي فيه الوجهاء في اللحظات الحرجة، وحماما في الأيام العادية.
كنت مع حازم محمود عزيز الخالدي في دورة عسكرية، وكان عبد الله التل من الأردن، وكان في دورة لليهود. لاحظنا مستوى التدريب للعرب، ومستوى التدريب لليهود. نحن العرب كان تدريبنا على الركض، تدريب اليهود على استعمال الأسلحة القتالية.
سكت عبد الله، وفجأه شد انتباهي الصمت الذي خيم في غرفة سمك جدرانها يزيد على المتر. نظرت الى السقف الذي أخذ شكل الأقواس التي يرتكز عليها، ولما لاحظ أنني لن أسأله سؤالا قال كالحالم: دار نسيبة أصلهم من الأنصار، والرسول يقول "الناس أمناء على أنسابهم". دار نسيبة معهم مفاتيح كنيسة القيامة وانجبوا رجالا. ودار الخالدي معروفون، الحسيني، النشاشبية، والشهابي، هذا الحمام مقر القيادة وقت الضيق، لماذا لا تحكى القصة بكاملها؟"
سألت لماذا لم يذكر البديري؟
أجاب وهو يبحث عن شيء يمسكه بيده:" نحن أتينا من مراكش في المغرب لمحاربة نابليون. جدي كان مع جماعة الجزار، جدي من المجموعة التي طهرت مصر من الفرنسيين، اسمه الشيخ محمد بدير الشهير، كافأه السلطان محمود على عمله في الجيش ووهبه قرية قزازة ليس بعيدا عن مدينة الرملة في عام 1940.
التفت عبد الله نحوي وقال لي باللغة الانجليزية you are a green hornأي أنت قرن أخضر(اشارة منه إلى جهلي بتاريخ عائلات القدس). ثم مضى يقول إنه لما تمرد محمد علي باشا وبعث ابنه ابراهيم لمحاربة السلطان، جدي كان يحارب ابراهيم، وأخذوه وأسيرا، لكن جاءه العفو وجوزه محمد علي بفتاة مصرية من عائلة ضيف، وعاد بها الى اسطنبول، وعندها أهداه السلطان قرية قزازة. وأنا رأيت الفرمان، الفرمان كان موجودا بحوزة خليل البديري.
سكت عبد الله البديري وكأنه نسي أنني موجودة، وجاء صوت آذان العصر من جهة الحرم. جاء متسربا من النافذة، غرق عبد الله البديري في صمته، ومال بأذنه نحو النافذة، تمتم بالشكر على نعمته، وخالجني شيء من الخشية، فحرصت على ألا تزعجه حتى أنفاسي.
ثم دون مقدمات قال:" قال الرسول لمعاذ بن جبل: "ليفتحن عليكم الشام من العريش الى الفرات، فمن سكن في ساحل من سواحلِ أو في بيت المقدس فهو في جهادٍ الى يوم القيامة".
قلت لعبد الله البديري إن هناك ما يشبه اللجنة الأهلية للدفاع عن مقبرة ماميلا، وهذه بداية عن الدفاع عن مواقع ولم الناس من حول هذه المواقع، واضفت بعد تردد: "وربما كتاب حمام العين هو باكورة توثيق قصص البلدة القديمة في القدس" وهناك بالفعل اهتمام من عائلة الخوري وعائلة الخطيب لتوثيق تاريخ القدس. ومنهم من تحدث معي بالفعل.
لم يهتم عبد الله بما قلت، لكنه رفع اصبعه محذرا:
"ها يا بنتي، راح الوطن، قعدوا الصليبيين ثمانين عام، وحملوا القتلى على مقبرة ماميلا، والذين حملوا القتلى قتلوا هناك في المقبرة، وقتلوا كل من دب على الأرض، ولن يخرج اليهود منها الا عندما يتحول بيت المقدس الى خراب، ومن لا يعتقد ذلك فهو خائن".
سكت عبد الله البديري واعتقدت بأن هذا الصمت هو بمثابة اعلان لانتهاء الزيارة، لكنه قال بصوت مرهق ومنخفض كالأنين:"
صلاح الدين استرجع القدس، لكن أخاه باعها للامبراطور الألماني فريديريك، وبعث للبابا رسالة قال له فيها( لقد حررتها لك). اخو صلاح الدين كان في باله يتجوز اخت قلب الأسد، عشان يوحد المملكه، قالت له بتتحول لديني ؟ صلاح الدين ما قصر، لكن اخوه الكامل لأ، هلأ بيروحوا يسألو وين انت يا صلاح الدين؟ صلاح الدين مات. قال الرسول: "إن كنت سائلا فسأل الله وإن كنت مستعينا فاستعن بالله".
وقفت لأودع عبد الله البديري الذي لم يفلت يدي وهو يقول: أذكر براني الفول لما كانوا يجيبوها ويبيتوها على نار الحمام، تطبخ على حم النار، و ثاني يوم ياخدوها على المطاعم، بتعرفي البرناي؟
كان رباح أبو ميزر في انتظاري بجانب باب أميم حمام العين. نظر الى ساعته وقال:" ليش تأخرتي؟ يلا في بعد وقت للإفطار، ثم هم رباح بخطواته القصيرة قائلا:" في شي حابب إنو تشوفي، وأكيد ما حدا حكالك عنو". وقف رباح أمام سوق القطانين وأدار وجهه نحو باب المغاربة حيث تقع حارة شرف التي تسمى اليوم بحارة اليهود.
"شايفة هذه القنطرة، هذه ما كانت قنطرة، هذه هون كان في غرفة مكان القنطرة، وعند باب الغرفة هذه بنتهي طريق الواد، فتحوها اليهود ووصّلوا باب المغاربة في طريق الواد. كانت هذه الغرفة مخزن يحطوا فيها الخشب والكراتين وأي اشي عشان النار لتسخين الأميم، وكان ابوعبدو ينام فيها، أبو عبدو هو المسؤول عن لم أي مادة للحرق عشان الحمام".
وقف جنود عند البوابة التي اشار إليها رباح، وعندما سألته لماذا الجنود؟ قال رباح:" عشان هون باب الكوتيل، يعني حائط المبكى، بعد ما تعبري من البوابة في ساحة المبكى، هي ما كانت ساحة، هذه كانت معمرة بالبيوت، كلها تهدمت عشان يعملوا الساحة، من هون ممنوع يعبروا العرب، بس أجانب ويهود، العرب عملولهم طريق التفافية كلها درج وسلالم، روحك بتطلع لتخلصي اللفة".
سكت رباح ليلتقط انفاسه، ثم نظر الى ساعته، ثم الى السماء باحثا عن الشمس ليطمئن على موعد الافطار، ثم أشار إلي بالعودة الى الناحية المعاكسة لباب حارة اليهود، وقال: " فش عندهم رحمة، آثار مش آثار، أي منفذ بقدروا يحطوا ايدهم عليه بوخذوه، بمشو تحت الأرض، بطلعوا علينا من تحت ومن فوق".
نظر رباح في عيني وتابع قائلا : "سميرة نور الدين عندهم مخزن تحت الدار ومعها مفتاحه، يوم سمعت صياح من وراء باب المخزن، حاولت تفتح ما كانش يفتح، دفشت واللا يهود ساكنين في المخزن، نافدين عليه من بيت ثاني".
سألت رباح، طيب وبعدين؟
أجاب:" ولا قبلين راح المخزن، هذه بنتي عهود كانت قاعدة في المطبخ، واللا اليهود نازلين على السطح وحاملين شباك حديد قديم، وزوجتي بتنادي وبتقول في ضو طالع من الحيط، رحت أشوف واللا هم ثلاثة نازلين على السطوح، قمت انا حطيت برميل الغاز وقلت لهم اللي بقرب بولع البرميل، قال جايبين شباك قديم عشان يقولوا في المحاكم انو هذا الشباك قديم وموجود من زمان".
وصلنا إلى السلم الموصل الى سطح الحمام، صعدت مع رباح، عند قباب الحمام، التي لم يتبق من اسطواناتها الزجاجية الملونة الا بقايا لا تشي بالماضي القريب بشيء.
نبهني رباح الى نافذتين مع شبك من حديد على يمين الحمام. قال رباح:" هذا كنيس إلهم، اليوم فتحوا الشبابيك، بكرة رايحين يبنوا غرفة، وهيك شوي شوي بحتلوا الحمام، وهيك احتلوا القدس".
هبطنا من على سطح الحمام، سرنا في طريق الواد بضعة أمتار،ثم شدني رباح نحو طريق على اليمين.
مد رباح يده مشيراً الى أحد البيوت، أمامه حديقة بانت أشجارها المهملة، وجدارها الآيل للسقوط: "هذه دار أبو ميالي، اليهود جابوا ابن أبو ميالي مكلبش، هناك تحت التوتة، كان الزلمة مخبي سلاح، هذا الحكي في سنة1969 ، هذاك البيت اللي جنبه دار الترهي شمعولهم الدار ومنعوهم يفوتوا عليه، هلكيت بتلاقي دار الترهي ساكنين تلا قلنديا واللا بيت حنينا، مع انو بيوتهم هون".
تقدم رباح قليلاً ثم ضرب على صدره بغضب وقال:" هاي دار الياسين، ابنهم انحبس قدامي، قبل 25 سنة جابوا المستوطنين جرافة، وبعدين سكروا الحيط عليها، وكتبوا اسم اليهودي اللي انقتل تحت القنطرة اللي بتنفذ على الكوتيل ( حائط المبكى).
عدنا أدراجنا نحو طريق الواد، رباح بدأ يهمس لي وهو يشير الى شخصين أحدهم كان يرتدي ملابس المتدينين اليهود، والثاني اكتفى بالقبعة الصغيرة على رأسه، كلاهما كانا ملتحيين، ولكن أحدهم بلحية سوداء كثيفة، والثاني بلحية شقراء، قصير القامة نحيل الجسم.
:" هذول من الثابتين في البلد، هذاك الأشقر بكون أخو كهانا، ساكن في البيت الفوقاني، هذا مثل المي وين بلاقي شرخ بفوت فيه، بعرض مصاري على سكان البلد القديمة عشان يشتري، أي واحد بعرف عنه انو جوعان ما عندوش مصدر مالي، بروح بطمعو وبحاول يشتري بيته، ونجح كثير وفي ناس باعوا".
ودعت رباح وتمنيت له إفطارا مباركاً، وصعدت متوجهة نحو باب العمود. قطعت الطريق واتجهت نحو شارع صلاح الدين. كانت الشمس قد اختفت تماما ولم يبق في الطريق سوى أفراد هنا وهناك يحملون صحون الحمص والفلافل الطازج، وهما الطبقان اللذان لا يغيبان أبدا عن مائدة افطار العائلة المقدسية. كنت قد سألت عن السبب، لكن أحدا لم يعرف الاجابة . مررت ببائع عصير اللوز، كان قد بدأ يشرب عصير التمر عند سماع "الله أكبر"، توقف عندما رآني واضعة يدي على زجاجة عصير اللوز، أشار إلي بيده مشعرا بأن اليوم عليه. شكرته وفتحتها وشربت نصفها.
كان البائع يراقبني مبتسماً،ثم قال:" سعادة ها؟ لما تشربي عصير اللوز وخاصة اذا نقع فيه الزبيب في شوارع القدس، يعني انتي اتعمدتي بمحبة القدس، مبروك عليكي". ثم أشار بإصبعه إلى خارج الدكان وقال ضاحكا:" عصير اللوز هو مرامهم ربما... من يدري"؟
امتياز دياب
"ما من أحد جاء الى القدس، إلا وفي نيته ان يأخذ منها او يأخذها، لكن آخر الزائرين يبدو أن في نيتهم أخذها تماما، ليس أخذها تماما، وإنما تحويلها الى شيء آخر، شكرا لله الذي أخذ نظري وعماني منذ عامين لكي لا أرى أكثر مما رأيت".
هكذا بدأ عبد الله توفيق البديري حديثه معي وهكذا أنهاه. التقيت بعبد الله البديري في بيته المحاذي تماما للأقصى، والمشرف كليا على الصخرة، بحيث يمكن للمرء أن يتمشى على سطح مكتبة البد يري، ويخيل إليه أنه يحتضن الصخرة، وللمرء أيضا أن يتخيل بأنه يضع خده على القبة ويريح رأسه عليها.
التقيت بالبديري في أواسط شهر رمضان. كانت الحرارة لا تطاق، ويقال إنه لم يسبق لها أن وصلت الى هذه الدرجة المرتفعة في القدس في تاريخها كله.
ما إن أخرجت قدمي من الباص المكيف حتى شعرت بأن نارا قد أوقدت فيهما، فعدت بكتفي نحو الداخل، لكن المتدافعين من الباص دفعوني خارجا بالقوة ودلقوني في وسط لهيب مشحون بالغبار والضجيج. لم يكن هناك شيء يسمى فراغا لكي أضع قدمي اللتين انتعلتا صندلا صنع في مدينة الخليل.
لم يقل لي أبو جودت إن صنادل الخليل لن تحميني من الاصابات، بل ركز على أنه صنع من الجلد الأصلي. ولكي يثبت لي ذلك، أشعل بابور البريموس ووضع الصندل عليه. وفعلا لم يحترق. نظر إلي أبو جودت متمتعا بدهشتي، قائلا إن هذا الصندل لن يحترق ولن يبلى أبدا. وعندما لفه بجريدة القدس القديمة، قال: "القدس راح تبلى قبل منه، لكن ما تخافيش ما دام أهل الخليل موجودين هون عمرها ما بتروح القدس".
كان علي أن استعمل خبرة لم اكتسبها بعد في المرور في أروقة صنعتها الباصات المتراصة والهادرة بانتظار ركاب جدد للعودة بهم الى قراهم المجاورة للقدس. اختلط زعيق زمامير الباصات بصراخ الباعة الذين نشروا بضاعتهم على طريق نابلس الموصل الى باب العمود، وبدقات قلبي التي أخذت تتسارع، وهي خلطة من الضجيج كافية لأن تصيب الإنسان بالصمم.
ساعة وينطلق آذان الظهر، لكن للسير لمدة عشر دقائق وهي المدة الطبيعية للوصول الى الحرم الشريف قبل الصلاة، لكن اليوم على المصلي أن يتخبط في أمواج من البشر لمدة ساعة في أحسن الأحوال قبل أن يصل الى بيت الله. أما الخبراء في البلد منهم فقد وصلوا قبل ساعتين.
مررت كالراقصة فوق بسطات الكتب والأواني المطبخية الملونة ومررت بين بسطات الكعك المسمس وأخرى للهواتف المحمولة وآلاف آلاف الأصناف من الطعام والفواكه والصحف وغيرها وغيرها.
عند وصولي الى شارع الزاهرة الذي يتعين الانتظار لقطعه عرضا ثم النزول على درجات للولوج من قنطرة باب العامود الى البلدة القديمة، هنا بالذات كان علي الانتظار لمدة ربع ساعة لكي أجد مكانا لي في فتحة بين حاجزين من الحديد يفصلان الرصيف عن الشارع. فشلت في المرة الأولى ثم في الثانية، وفي الثالثة أيقنت أن من الأسلم الاحتماء بظهر رجل عريض وضخم لكي أتلافى دوس الأقدام على قدمي شبه العاريتين الا من كف جلدي. كل ما حف بالأرض أثار غبارا أسود بلون الدخان المنبعث من السيارات المنتظرة للسيل البشري ان يتوقف عن التدفق.
لم ينته الجهاد بعد، بل بدأ عند وصولي إلى قنطرة باب العمود ، التي التحمت تحتها أكتاف آلاف البشر، وحشرت كتفي بينها، ثم ركبتها كما يركب الموج، ولكن ما إن غاب كتفي عن نظري حتى لفظني الموج بين بسطتي كعك وبسطة ألعاب أطفال، غرق صاحباهما في الضحك من المشهد. عاودت الكرة حانقة من ضحكهما، فدفعت بنفسي نحو الموج بقوة هذه المرة، لكن الموج قذفني فوجدتني أتراجع مع بعض الأجساد ثلاثة امتار نحو الدرجات. فما كان لي إلا أن أجلس على إحداها لالتقط انفاسي، ولأضع خطة للنفاذ الى البلدة القديمة.
كانت خطتي في منتهى الاستسلام، وهي أن انتظر الى ما بعد الصلاة. فجلست استمع الى جوقة زعيق الباصات وأصحاب الباصات، وكنت أتمنى الصمم من صميم قلبي.
قرعت جرس باب البديري وأنا لا أدري كيف سأفسر لشيماء ابنة عبد الله البديري سبب تأخري، وهي التي أكدت لي ان ربع ساعة تأخير عن موعد والدها يعني الغاء الموعد نهائيا.
بادرت شيماء بالقول إن هذه المدينة ستتحول الى حطام خلال عقد من الزمان اذا لم يجدوا حلولا سريعة لهذه الأزمة. تصوري، كم قرنا من الزمان عاشت هذه المدينة؟ وأمام كم غزو صمدت؟ وقارنيها بعدد السنوات تحت الاحتلال الاسرائيلي، فستجدين أن الخراب الذي أصابها وأصاب عماراتها وآثارها في هذه الفترة القصيرة هو عشرات المرات أكثر مما أصابها على مر العصور! ماذا يقول لك ذلك؟
عندما صافحت عبد الله البديري لاحظت أنه لا يراني وأنه أعمى تماما، ولاحظ هو ارتباكي لا أعرف كيف، فقال:" ريحني العمى من رؤية عراضات الزعماء على التلفزيون، مسكين التلفزيون كان يضل مبلول من بصقي عليه، ارتاح مني".
" حمام العين هو عيَنة يا بنتي من القدس، هو رمز الاستيطان، والانهيار والاهمال. أنا بالنسبة لي حمام العين رمز لأنه اثناء حرب 1948 استعملت مصاطب الحمام مكانا للقيادة، تشكلت لجنة القدس، ومن هناك كانت تطلع المناشير".
سألني عبد الله: لماذا لا توثق القدس كلها؟ لماذا لا تحكى قصص كل زاوية في القدس؟ بما أنه وفي جميع الأحوال البلد رايحة، على الأقل ترك هذه الذاكرة الحية للأجيال القادمة.
ثم أرخى بقايا أهداب على عينين لا بريق لهما وهمس قائلا:" قال الله لا يفلح الخائن حيث أتى" ثم فتح عينيه وكأنه يراني فذعرت وحمدت الله أنه لا يراني وقال:" العرب أصحاب حق لكن خانوا حقهم، واليهود أصحاب باطل، لكن أخلصوا لباطلهم. الانسان لما يخون حقه فهو بالتالي يخون وجوده".
سقطت القدس في ثلاثة أيام، وسقط كل شيء فيها بيد اليهود. حمام العين سقط معها، وقد كان منتدى لحل المشاكل، ولعقد الصلح بين الناس بعد صلاة الجمعة. كان حمام العين مخزنا للأسلحة، وكان مكانا يلتقي فيه الوجهاء في اللحظات الحرجة، وحماما في الأيام العادية.
كنت مع حازم محمود عزيز الخالدي في دورة عسكرية، وكان عبد الله التل من الأردن، وكان في دورة لليهود. لاحظنا مستوى التدريب للعرب، ومستوى التدريب لليهود. نحن العرب كان تدريبنا على الركض، تدريب اليهود على استعمال الأسلحة القتالية.
سكت عبد الله، وفجأه شد انتباهي الصمت الذي خيم في غرفة سمك جدرانها يزيد على المتر. نظرت الى السقف الذي أخذ شكل الأقواس التي يرتكز عليها، ولما لاحظ أنني لن أسأله سؤالا قال كالحالم: دار نسيبة أصلهم من الأنصار، والرسول يقول "الناس أمناء على أنسابهم". دار نسيبة معهم مفاتيح كنيسة القيامة وانجبوا رجالا. ودار الخالدي معروفون، الحسيني، النشاشبية، والشهابي، هذا الحمام مقر القيادة وقت الضيق، لماذا لا تحكى القصة بكاملها؟"
سألت لماذا لم يذكر البديري؟
أجاب وهو يبحث عن شيء يمسكه بيده:" نحن أتينا من مراكش في المغرب لمحاربة نابليون. جدي كان مع جماعة الجزار، جدي من المجموعة التي طهرت مصر من الفرنسيين، اسمه الشيخ محمد بدير الشهير، كافأه السلطان محمود على عمله في الجيش ووهبه قرية قزازة ليس بعيدا عن مدينة الرملة في عام 1940.
التفت عبد الله نحوي وقال لي باللغة الانجليزية you are a green hornأي أنت قرن أخضر(اشارة منه إلى جهلي بتاريخ عائلات القدس). ثم مضى يقول إنه لما تمرد محمد علي باشا وبعث ابنه ابراهيم لمحاربة السلطان، جدي كان يحارب ابراهيم، وأخذوه وأسيرا، لكن جاءه العفو وجوزه محمد علي بفتاة مصرية من عائلة ضيف، وعاد بها الى اسطنبول، وعندها أهداه السلطان قرية قزازة. وأنا رأيت الفرمان، الفرمان كان موجودا بحوزة خليل البديري.
سكت عبد الله البديري وكأنه نسي أنني موجودة، وجاء صوت آذان العصر من جهة الحرم. جاء متسربا من النافذة، غرق عبد الله البديري في صمته، ومال بأذنه نحو النافذة، تمتم بالشكر على نعمته، وخالجني شيء من الخشية، فحرصت على ألا تزعجه حتى أنفاسي.
ثم دون مقدمات قال:" قال الرسول لمعاذ بن جبل: "ليفتحن عليكم الشام من العريش الى الفرات، فمن سكن في ساحل من سواحلِ أو في بيت المقدس فهو في جهادٍ الى يوم القيامة".
قلت لعبد الله البديري إن هناك ما يشبه اللجنة الأهلية للدفاع عن مقبرة ماميلا، وهذه بداية عن الدفاع عن مواقع ولم الناس من حول هذه المواقع، واضفت بعد تردد: "وربما كتاب حمام العين هو باكورة توثيق قصص البلدة القديمة في القدس" وهناك بالفعل اهتمام من عائلة الخوري وعائلة الخطيب لتوثيق تاريخ القدس. ومنهم من تحدث معي بالفعل.
لم يهتم عبد الله بما قلت، لكنه رفع اصبعه محذرا:
"ها يا بنتي، راح الوطن، قعدوا الصليبيين ثمانين عام، وحملوا القتلى على مقبرة ماميلا، والذين حملوا القتلى قتلوا هناك في المقبرة، وقتلوا كل من دب على الأرض، ولن يخرج اليهود منها الا عندما يتحول بيت المقدس الى خراب، ومن لا يعتقد ذلك فهو خائن".
سكت عبد الله البديري واعتقدت بأن هذا الصمت هو بمثابة اعلان لانتهاء الزيارة، لكنه قال بصوت مرهق ومنخفض كالأنين:"
صلاح الدين استرجع القدس، لكن أخاه باعها للامبراطور الألماني فريديريك، وبعث للبابا رسالة قال له فيها( لقد حررتها لك). اخو صلاح الدين كان في باله يتجوز اخت قلب الأسد، عشان يوحد المملكه، قالت له بتتحول لديني ؟ صلاح الدين ما قصر، لكن اخوه الكامل لأ، هلأ بيروحوا يسألو وين انت يا صلاح الدين؟ صلاح الدين مات. قال الرسول: "إن كنت سائلا فسأل الله وإن كنت مستعينا فاستعن بالله".
وقفت لأودع عبد الله البديري الذي لم يفلت يدي وهو يقول: أذكر براني الفول لما كانوا يجيبوها ويبيتوها على نار الحمام، تطبخ على حم النار، و ثاني يوم ياخدوها على المطاعم، بتعرفي البرناي؟
كان رباح أبو ميزر في انتظاري بجانب باب أميم حمام العين. نظر الى ساعته وقال:" ليش تأخرتي؟ يلا في بعد وقت للإفطار، ثم هم رباح بخطواته القصيرة قائلا:" في شي حابب إنو تشوفي، وأكيد ما حدا حكالك عنو". وقف رباح أمام سوق القطانين وأدار وجهه نحو باب المغاربة حيث تقع حارة شرف التي تسمى اليوم بحارة اليهود.
"شايفة هذه القنطرة، هذه ما كانت قنطرة، هذه هون كان في غرفة مكان القنطرة، وعند باب الغرفة هذه بنتهي طريق الواد، فتحوها اليهود ووصّلوا باب المغاربة في طريق الواد. كانت هذه الغرفة مخزن يحطوا فيها الخشب والكراتين وأي اشي عشان النار لتسخين الأميم، وكان ابوعبدو ينام فيها، أبو عبدو هو المسؤول عن لم أي مادة للحرق عشان الحمام".
وقف جنود عند البوابة التي اشار إليها رباح، وعندما سألته لماذا الجنود؟ قال رباح:" عشان هون باب الكوتيل، يعني حائط المبكى، بعد ما تعبري من البوابة في ساحة المبكى، هي ما كانت ساحة، هذه كانت معمرة بالبيوت، كلها تهدمت عشان يعملوا الساحة، من هون ممنوع يعبروا العرب، بس أجانب ويهود، العرب عملولهم طريق التفافية كلها درج وسلالم، روحك بتطلع لتخلصي اللفة".
سكت رباح ليلتقط انفاسه، ثم نظر الى ساعته، ثم الى السماء باحثا عن الشمس ليطمئن على موعد الافطار، ثم أشار إلي بالعودة الى الناحية المعاكسة لباب حارة اليهود، وقال: " فش عندهم رحمة، آثار مش آثار، أي منفذ بقدروا يحطوا ايدهم عليه بوخذوه، بمشو تحت الأرض، بطلعوا علينا من تحت ومن فوق".
نظر رباح في عيني وتابع قائلا : "سميرة نور الدين عندهم مخزن تحت الدار ومعها مفتاحه، يوم سمعت صياح من وراء باب المخزن، حاولت تفتح ما كانش يفتح، دفشت واللا يهود ساكنين في المخزن، نافدين عليه من بيت ثاني".
سألت رباح، طيب وبعدين؟
أجاب:" ولا قبلين راح المخزن، هذه بنتي عهود كانت قاعدة في المطبخ، واللا اليهود نازلين على السطح وحاملين شباك حديد قديم، وزوجتي بتنادي وبتقول في ضو طالع من الحيط، رحت أشوف واللا هم ثلاثة نازلين على السطوح، قمت انا حطيت برميل الغاز وقلت لهم اللي بقرب بولع البرميل، قال جايبين شباك قديم عشان يقولوا في المحاكم انو هذا الشباك قديم وموجود من زمان".
وصلنا إلى السلم الموصل الى سطح الحمام، صعدت مع رباح، عند قباب الحمام، التي لم يتبق من اسطواناتها الزجاجية الملونة الا بقايا لا تشي بالماضي القريب بشيء.
نبهني رباح الى نافذتين مع شبك من حديد على يمين الحمام. قال رباح:" هذا كنيس إلهم، اليوم فتحوا الشبابيك، بكرة رايحين يبنوا غرفة، وهيك شوي شوي بحتلوا الحمام، وهيك احتلوا القدس".
هبطنا من على سطح الحمام، سرنا في طريق الواد بضعة أمتار،ثم شدني رباح نحو طريق على اليمين.
مد رباح يده مشيراً الى أحد البيوت، أمامه حديقة بانت أشجارها المهملة، وجدارها الآيل للسقوط: "هذه دار أبو ميالي، اليهود جابوا ابن أبو ميالي مكلبش، هناك تحت التوتة، كان الزلمة مخبي سلاح، هذا الحكي في سنة1969 ، هذاك البيت اللي جنبه دار الترهي شمعولهم الدار ومنعوهم يفوتوا عليه، هلكيت بتلاقي دار الترهي ساكنين تلا قلنديا واللا بيت حنينا، مع انو بيوتهم هون".
تقدم رباح قليلاً ثم ضرب على صدره بغضب وقال:" هاي دار الياسين، ابنهم انحبس قدامي، قبل 25 سنة جابوا المستوطنين جرافة، وبعدين سكروا الحيط عليها، وكتبوا اسم اليهودي اللي انقتل تحت القنطرة اللي بتنفذ على الكوتيل ( حائط المبكى).
عدنا أدراجنا نحو طريق الواد، رباح بدأ يهمس لي وهو يشير الى شخصين أحدهم كان يرتدي ملابس المتدينين اليهود، والثاني اكتفى بالقبعة الصغيرة على رأسه، كلاهما كانا ملتحيين، ولكن أحدهم بلحية سوداء كثيفة، والثاني بلحية شقراء، قصير القامة نحيل الجسم.
:" هذول من الثابتين في البلد، هذاك الأشقر بكون أخو كهانا، ساكن في البيت الفوقاني، هذا مثل المي وين بلاقي شرخ بفوت فيه، بعرض مصاري على سكان البلد القديمة عشان يشتري، أي واحد بعرف عنه انو جوعان ما عندوش مصدر مالي، بروح بطمعو وبحاول يشتري بيته، ونجح كثير وفي ناس باعوا".
ودعت رباح وتمنيت له إفطارا مباركاً، وصعدت متوجهة نحو باب العمود. قطعت الطريق واتجهت نحو شارع صلاح الدين. كانت الشمس قد اختفت تماما ولم يبق في الطريق سوى أفراد هنا وهناك يحملون صحون الحمص والفلافل الطازج، وهما الطبقان اللذان لا يغيبان أبدا عن مائدة افطار العائلة المقدسية. كنت قد سألت عن السبب، لكن أحدا لم يعرف الاجابة . مررت ببائع عصير اللوز، كان قد بدأ يشرب عصير التمر عند سماع "الله أكبر"، توقف عندما رآني واضعة يدي على زجاجة عصير اللوز، أشار إلي بيده مشعرا بأن اليوم عليه. شكرته وفتحتها وشربت نصفها.
كان البائع يراقبني مبتسماً،ثم قال:" سعادة ها؟ لما تشربي عصير اللوز وخاصة اذا نقع فيه الزبيب في شوارع القدس، يعني انتي اتعمدتي بمحبة القدس، مبروك عليكي". ثم أشار بإصبعه إلى خارج الدكان وقال ضاحكا:" عصير اللوز هو مرامهم ربما... من يدري"؟
Labels:
احكي معي
Subscribe to:
Posts (Atom)