Political analysis and news about the Arab nation, and a platform for free speech for writers and journalists enslaved by mainstream media. تحليلات سياسية واخبار الوطن العربي ومنبر حر للكتاب والصحافيين المضطهدين في الاعلام التقليدي والرسمي
Thursday, March 24, 2011
امتياز دياب: الشهيد الذي دفع ثمن الرصاصة التي قتلته
Friday, March 11, 2011
انهض وانتصب بقامتك ...آخر العروش بدأ بالاهتزاز : امتياز دياب
Tuesday, March 8, 2011
مبروك علينا فايزة ابو النجا في الحكومة المصرية الجديدة : امتياز دياب
Monday, March 7, 2011
وراء كل دكتاتور امرأة : امتياز دياب
Sunday, February 13, 2011
فلتنعمي بالا ايتها الديموقراطية :امتياز دياب
عاد العراق الى ميدان تحريره بعد غياب : امتياز دياب
صمت العراق عندما خرجت الشعوب العربية الى ساحات تحريرها،تندد بالظلم والجوع، وتطالب بتنحي حكامها الذين رزحوا على صدور شعوبهم لعقود، بمساعدات امريكية دخلت حسابات خاصة في بنوك سويسرية.
رأينا شعب تونس في شوارع تونس، ورأينا شعب الجزائر في شوارع الجزائر، واليمن والاردن، جميعهم توجهوا الى ساحات تحريرهم، منددين بالظلم والجوع والبطالة.
لم نر شعب العراق في ساحة التحرير التي فيها انتهى الحكم الملكي ومنها زال الاستعمار البريطاني، بقيت ساحة التحرير في بغداد حتى الأمس. خرج المثقف والفنان والعامل، ونددوا ليس بالظلم وانما بالديموقراطية السيئة، الديموقراطيةالتي اجازت قطع الرؤوس، واجازت تقسيم العراق، ديموقراطية معاوية ابن هند آكلة الكبد، ديموقراطية معاوية الماكر، الذي قطع رأس الخليفة علي بسيف مسموم.
خرج الشعب العراقي اخيرا ثائرا على ديموقراطية امريكية (معاوييه). و طالبوا بنزوح الديموقراطية المزيفة، طالبوا في الحياة، وطالبوا ان يتوقف عملاء ديموقراطية معاوية عن اقتسام خيرات العراق فيما بينهم
وانضم الشعب العراقي الى اخوانه في العالم العربي في رحلة اليقظة.
Wednesday, February 9, 2011
الحلم في الوزارة يتحقق اخيرا لسمير رضوان في وزارة المالية في حكومة مبارك الانتقالية
لم يقبله مبارك في حكومته لانه لم يكن فاسدا بما فيه الكفاية، هذا ناهيك عن ان سمير رضوان كان يقدم نفسه دون كلل على انه من طبقة المثقفين اليساريين الذين اخذوا مقلبا به طول السنين المنصرمة.
ها هو الحظ او سؤ الطالع جاءه وسقط في احضانه، وتعين وزيرا في حكومة آيلة للسقوط، ينادي برحيلها جميع افراد الشعب المصري ،ما عدا المستفيدين من غنائمها بالطبع.
لماذا يسقط انسان مثل سمير في مرحلة زائلة؟
، في مؤتر صحفي عقدته المفوضة السامية لحقوق الانسان مؤخرا في الامم المتحدة جائت ومعها فريق كانت قد ارسلته الى تونس للتحقيق بانتهاكات حقوق الانسان، من بين الفريق كان فرج فنيش التونسي الجنسية، بالعادة لا يذهب مع فريق التحقيق شخص من ذات جنسية البلد وذلك منعا من الازدواجية في المواقف، وحتما لم تكن السيدة نافي بيلي قد تجرؤ لارسال فلسطيني الى اسرائيل في لجنة تحقيق على سبيل المثال، هذا نايك عن ان فرج فنيش كان دائما حلقة الوصل مع السفارة التونسية وذلك قبل السفير ناصر ثم من بعده كممال مرجان.
المهم انتقدني احد الزملاء على سؤالي، على اساس ان السؤال اهان اليسد فنيش. قلت له في حينها التالي:نحن الآن في محطة كشف المواقف، ومعرفة هوية ومعالم موقف كل انسان، انت معي ام ضدي.
نعم يا سمير رضوان، لماذا اخترت ان تكون في الخندق الضد؟
كان بامكانك اختيار موقف المظلومين وليس خندق الظلم، مثلك مثل جابر عصفور ، هو الآخر اختار خندق الظلم، وهو على باطل وانت على باطل
Monday, December 6, 2010
وسيلة تمزالي، المرأة وغياب تحري الذات
وسيلة تمزالي، المرأة وغياب تحرير الذات
جنيف- امتياز دياب
(لمحت وسيلة تمزالي في معرض الكتاب الدولي في جنيف، كانت تستمع لندوة في الجناح المصري، لبهاء طاهر وآخرين، جلست لبضعة دقائق ثم مرت من ورائي بصحبة صديقة لها اعرفها، صديقتها تريز التي قالت لي بان وسيلة تذهب لتوقيع كتابها
"ثقافة جزائرية" الذي صدر عن دار غاليمار. فانسحبت من بهاءEducation
Algerienne:de la revolution a la decennie دون اعتذار ولحقت بها. لحسن
حظّي وجدتها جالسة أمام كومة من الكتب تحمل اسمها. دون أن أعرّف عن نفسي جلست إلى جانبها وسألتها إذا كان بالإمكان تجاذب الأطراف الحديثة معها. نظرت إليّ بعينين ملوّنتين ضاربتين إلى الخضرة تتوسّطان وجهًا مليحًا سألتني عمّا أريد أن أتحدّث به إليها قلت لها أريد أن أعرف إذا ما كانت لا تزال تناضل من أجل المرأة ومن أجل الكلمة ومن أجل الحريّة كما سمعت عنها دائمًا. قالت لي بصوتٍ مهيب، أين تريدين نشر ذلك، قلت لها لا أدري).
- أتابع النضال بالوسائل التي أملكها كالكلمة والأفكار. فـأنا أنتمي إلى مجموعة صغيرة من النساء والرجال الجزائريّين الذين يناضلون بسلاح أفكارهم، بالإضافة إلى قناعاتهم مقابل جيشين قويّين هما الجيش الوطني والجيش الديني الإسلامي الذي يعتبر كارثة كبيرة لأنّه لا يناضل باسم الدين بل يضع هذا الأخير في إطار العنف والتعتيم التام.
في التسعينيّات، وقعت الحرب الأهليّة التي أودت بحياة 200 ألف شخص بطريقة بشعة. تهدّمت أحلامي كلّها بسبب هذه الحرب. أمّا اليوم فأعيش في الجزائر، والأمل الوحيد الذي يبقى لي هو القدرة على استيعاب ما يحصل وتفهّمه. يذكّرني ذلك بالكاتب الفرنسي ألبير
Mythe de Sysiphe كامو في روايته
حيث يرفع صخرة على قمّة لكنّها تتدحرج بسبب قوّة الجاذبيّة فيفقد الأمل ويعود أدراجه، لكنّه يفهم أنّ الأمر سيتكرّر بسبب هذه القوّة الطبيعيّة، ومن هنا يستعيد حريّته أي حريّة الإنسان العاقل الذي يفهم.
رأيت نورًا ينبعث من مسامات وجهها وسمعت نفسي أسألها: ألم تجدي النور، واللذّة، والسعادة في هذه المسيرة؟
طبعاً. أنا في إطار اختصار مسيرتي السياسيّة. عشت طفولة سعيدة جدًّا في منزل كبير على البحر، في كنف عائلة رائعة لا تملّ الحفلات والموائد الغنيّة التي احتلّت مرتبة مهمّة. وما زلت حتّى اليوم أعطي أهميّة كبرى للطعام، والمنزل الكبير، والنبيذ الجيّد. خلال صباي كان المشروب مباحاً في الجزائر، وكان الإنفتاح مطلقاً على الغرب لكن الحريّة كانت غائبة. وفي روايتي التي تبدأ بمصرع والدي الذي ينتمي إلى الحزب الوطني على يد أحد مؤيّدي جبهة التحرير الوطنيّة فهمت أنّ قصّتنا دراميّة.
فهمت أنّنا كنّا نريد الاستقلال لكن على حساب اختفائنا لأنّ خلفاءنا لا ينتمون إلى العالم الذي عشنا فيه، وهذه هي الدراما.
اقترب منّا رئيس جناح غاليمار وسكب لنا كأسين من الماء وابتعد دون أن بنبث بكلمة وهمست لها هل ما زلت تحلمين؟
أكيد لكنّني أحاول فهم دوري بذكاء أكبر. فأنا مناضلة نسائيّة مثقّفة، أذهب إلى نهاية المطاف حتّى لو عُزلت عن قومي. يجدر بنا نحن المثقّفون في العالم العربي قبول أدوارنا على الرغم من أنّ المجتمع يتجاهلنا. إنّه أمر صعب لشخصٍ من بيئتنا لأنّنا نريد أن نحاط من ذوينا.
في الجزائر، كانت تطلق على المناضلين الجزائريّين تسمية " الإخوة" وهي تسمية مهمّة جدًّا. ما اعتبرته تضامناً هو سلطة الأخوة على الرجال والنساء والأخوات والأمّهات. وفي هذا الإطار، خانتني مفاهيمي لأنّّ ما اعتبرته تضامناً كان في الواقع سلطة الأخوة. عقدنا مؤخّراً مؤتمراً عن العنف ضد المرأة في الجزائر أظهر أنّ من يمارس العنف ضد المرأة هم الأخوة لا الآباء الذين تخلّوا عن دورهم لأبنائهم.
سافرت بي أفكاري إلى أيّام صباي حين كان والدي يطلب من أخي البكر الإهتمام بي وتحمّل مسؤوليّتي واتّخاذ القرارت المهمّة عنّي، فقلت لها بعفويّة: أليس هذا الأمر بطبيعي في المجتمعات العربيّة التقليديّة؟
كلا، أقرأ حاليًا كتابًا لـلمتخصّصة في علم الأنتروبولوجيا "جيرمين تيون" التي تؤكّد بأنّ هذا الأمر عبارة عن تحجّر، ولا يمكننا الوصول إلى جمهوريّة المواطنين بل نبقى في جمهوريّة أولاد العمّ، فتبقى النساء ملكًا لهم لأنّهم لا يريدونهنّ أن يرثن الأراضي. إنّه أمر صعب. فإذا أردنا إعطاء المرأة حقوقها، يجب إنشاء جمهوريّة المواطنين.
عندما سكتت، قرأت في عينيها أنا امرأة صلبة كالصخر، سألتها إذا كانت تقيم بشكل دائم في الجزائر؟
نعم، لكن حياة المرأة صعبة في الجزائر لأنّ حريّتها محدودة سواءً في الأمور الترفيهيّة أو غيرها. أنا الوحيدة التي تتجرّأ على الخروج وشرب القهوة في الأماكن العامّة. أتعاطى السياسة بسهولة لأنّني امرأة محميّة من قبل محيطي وجيش بلادي. أظنّ أنّ الأمر سيّان في البلدان العربيّة كافّة. أمّا المجموعة التي خرقت النظام فهم الإسلاميّون وبالتالي هم الوحيدون الذين يملكون فكر سياسي.
ألا يجرؤ المثقّفون على ذلك؟
كلا، لأنّهم أقليّة والسلطة قويّة جدًا لا تعطيهم حريّة التعبير. يجب الاعتراف بأنّ الحركات التحرّريّة حصلت على يد المزارعين والعمّال وليس على يد المثقّفين. أنا ولدت في كنف عائلة مسلمة وواجهت مشاكل بسبب انفتاحي، لكن بصفتي مثقّفة كنت أتقدّم. أمّا اليوم، فالإسلاميّون لا يودّون الحوار معنا بل يريدون فرض طريقة عيش.
هل فقد المثقّف شجاعته وحريّته وموضوعيّـته وبالتالي تأثيره على قرّائه؟
إنّه موضوع معقّد. حاولت أن أشرح في كتابي سبب التلاعب في الجزائر. أثّرت الحرب علينا كثيرًا، وكنّا بحاجةٍ إلى التآخي واستعادة السلطة وهويّتنا. كنّا بحاجة إلى هذه الأكاذيب لنسيان الاحتلال الفرنسي. نزلنا بصفتنا مثقّفين إلى الشارع لنعبّر عن مطالبتنا بتحرير المرأة وآمنّا بهذه الثورة. لكن ظهر التقصير في التحرّر الشخصي. منذ فترة تحاورت مع مناضلة نسائيّة تونسيّة أكّدت لي أنّنا لا نضع أنفسنا في وسط هذا النضال لنتحرّر، بل نفكّر في تحرير المرأة وننسى تحرير أنفسنا.
صمتّ للحظات لأفكّر بما قالته وسيلة، وتذكّرت مقولة تردّدت في خطابات السيّاسيّين الذين ردّدوا مرارًا عن أهميّة تأجيل العناية بقضيّة المرأة إلى ما بعد التحرير، وكأنّ وسيلة قرأت ما يدور في ذهني فقالت:
لم تتحرّر المرأة على الصعيد الجنسي بسبب المجتمع الذكوري حيث يسيطر الرجل على المرأة. وطالما لم نتحرّر من هذه السيطرة الجنسيّة، فما من حريّة للمرأة. لا يمكن لهذه الأخيرة التحرّر بمفردها. عندما بلغت العشرين من العمر، لم أظنّ أبدًا أنّني سأغادر الجزائر. كنت أسيرة فكرة القيام بالثورة وليس بثورتي أنا. لم أتخيّل نفسي خارج الجزائر.
لماذا لا تنشغل المرأة في تحرّرها الشخصي وبدل ذلك تختفي وراء تحرير الوطن؟
أنت على حقّ. أنا عملت مع نساءٍ عشن حياةً منفتحة وخالية من القمع وبالتالي لم أضطرّ إلى الهرب. يكمن مصدر نضالي النسائي في فرصة التحرّر النابعة من آبائنا وليس من أمّهاتنا. فنحن مثقّفات وكانت حريّتنا كبيرة وبالتالي أردنا تحرير النساء الأخريات.
غالبًا ما قابلت نساء يخبرنني أنّني كنت مثلاً بالنسبة إليهنّ. لا يمكنني أن أكون مثلاً للجميع.
فأنا رمزٌ لمقاومة القانون الجزائري الذي يقمع المرأة، ومن هنا إذا احتجت يومًا إلى هذا القانون سأواجه مصاعب كبيرة.
Mr. Last minute dot com
Words: Emtiaz Diab
Mr. Last minute dot com
Hey Mr. last minute dot com
Fight your weakness and make a plan…
To find a happy life
A happy life starts with one seed
Water it…….
And let the sunshine beam in……
Mr. Last Minute dot com trust me…..
I have a plan for you
And a seed to plant
Mr. Last Minute dot com trust me…..
I will show you a life with a last chance
I will show you a life with a thousand seeds
Mr. Last Minute dot com trust me…..
In your last-minute life you can only have dry seeds
Your last chance is to trust me……
I have a plan for your life
I have a plan with one thousand seeds
Your last chance is to trust me….
Since you have only one chance with your last-chance plans
You have to come back to me
I have the plans …
I have the seeds…
You may not love me
But you have to trust me
Mr. Last minute dot com
Hey Mr. last minute dot com
Fight your weakness and make a plan
Saturday, December 4, 2010
التعادلية

التعادلية
امتياز دياب
منذ اختلاف معادلة قوة العقل وقوة القلب
وبسبب انتصارات العلم... التي انتجت القلق
لأن ادراك القوى الغير مرئية...يكون للقلب تمام الحرية
وإذا قتل القلب، يتربع القلق...
إن حرية الإرادة عند الإنسان، مقيدة من انسان آخر..
أذا كانت ارادة الإنسان حرة، اذا فهو مسئول عن تصرفاته،
وهنا نصل الى الخير والشر
واذاوصلنا الى ان الانسان مسئول عن فعل الخير وفعل الشر
نكون قد وصلنا الى الضمير
الضمير متعلق بالذنب
وللمعادلة بين الذنب
نصل الى العدالة
أي ان الضمير هو العدالة
والضمير هو مصدر قلق للانسان
من هنا تقوم الثورة
الثورة على الظلم
لكي يتعادل الظالم والمظلوم
واذا تعادل الظالم والمظلوم واصبحا واحداً
لا بد وان تقوم ايادي خفية تعارضها
وهذه بدورها ستكبت وتهزم
لكن العدالة ستأتي حتماٍ مرة أخرى وهكذا....
كل فعل له الفعل الذي يرد عليه ليحدث التعادل
لنأخذ المفكر والحاكم
المفكر هو الضعيف الوحيد امام الحاكم
ينتصر الحاكم على صاحب الفكر، من خلال استدراجه لألغاء وجوده
تماما مثل مثل الزوج الذي يلغي فكر زوجته، من خلال التدجين،
وكذلك الزوجة تدجن شريكها في مهامها اليومية لإلغائه
لأن التعادل بين الحرية والالتزام ، غير موجود
لأن الالتزام تحول الى الزام
لانهما تحولا الى عبيد لشيء مضى اوانه و تغيرت عليه الظروف
وبهذا تضيع المواقف،
وبالتالي تضيع العبارة التي يتبادلها الأبناء،
ليحملوها الى الزمن الآتي....
عصير اللوز هو مرامهم
امتياز دياب
"ما من أحد جاء الى القدس، إلا وفي نيته ان يأخذ منها او يأخذها، لكن آخر الزائرين يبدو أن في نيتهم أخذها تماما، ليس أخذها تماما، وإنما تحويلها الى شيء آخر، شكرا لله الذي أخذ نظري وعماني منذ عامين لكي لا أرى أكثر مما رأيت".
هكذا بدأ عبد الله توفيق البديري حديثه معي وهكذا أنهاه. التقيت بعبد الله البديري في بيته المحاذي تماما للأقصى، والمشرف كليا على الصخرة، بحيث يمكن للمرء أن يتمشى على سطح مكتبة البد يري، ويخيل إليه أنه يحتضن الصخرة، وللمرء أيضا أن يتخيل بأنه يضع خده على القبة ويريح رأسه عليها.
التقيت بالبديري في أواسط شهر رمضان. كانت الحرارة لا تطاق، ويقال إنه لم يسبق لها أن وصلت الى هذه الدرجة المرتفعة في القدس في تاريخها كله.
ما إن أخرجت قدمي من الباص المكيف حتى شعرت بأن نارا قد أوقدت فيهما، فعدت بكتفي نحو الداخل، لكن المتدافعين من الباص دفعوني خارجا بالقوة ودلقوني في وسط لهيب مشحون بالغبار والضجيج. لم يكن هناك شيء يسمى فراغا لكي أضع قدمي اللتين انتعلتا صندلا صنع في مدينة الخليل.
لم يقل لي أبو جودت إن صنادل الخليل لن تحميني من الاصابات، بل ركز على أنه صنع من الجلد الأصلي. ولكي يثبت لي ذلك، أشعل بابور البريموس ووضع الصندل عليه. وفعلا لم يحترق. نظر إلي أبو جودت متمتعا بدهشتي، قائلا إن هذا الصندل لن يحترق ولن يبلى أبدا. وعندما لفه بجريدة القدس القديمة، قال: "القدس راح تبلى قبل منه، لكن ما تخافيش ما دام أهل الخليل موجودين هون عمرها ما بتروح القدس".
كان علي أن استعمل خبرة لم اكتسبها بعد في المرور في أروقة صنعتها الباصات المتراصة والهادرة بانتظار ركاب جدد للعودة بهم الى قراهم المجاورة للقدس. اختلط زعيق زمامير الباصات بصراخ الباعة الذين نشروا بضاعتهم على طريق نابلس الموصل الى باب العمود، وبدقات قلبي التي أخذت تتسارع، وهي خلطة من الضجيج كافية لأن تصيب الإنسان بالصمم.
ساعة وينطلق آذان الظهر، لكن للسير لمدة عشر دقائق وهي المدة الطبيعية للوصول الى الحرم الشريف قبل الصلاة، لكن اليوم على المصلي أن يتخبط في أمواج من البشر لمدة ساعة في أحسن الأحوال قبل أن يصل الى بيت الله. أما الخبراء في البلد منهم فقد وصلوا قبل ساعتين.
مررت كالراقصة فوق بسطات الكتب والأواني المطبخية الملونة ومررت بين بسطات الكعك المسمس وأخرى للهواتف المحمولة وآلاف آلاف الأصناف من الطعام والفواكه والصحف وغيرها وغيرها.
عند وصولي الى شارع الزاهرة الذي يتعين الانتظار لقطعه عرضا ثم النزول على درجات للولوج من قنطرة باب العامود الى البلدة القديمة، هنا بالذات كان علي الانتظار لمدة ربع ساعة لكي أجد مكانا لي في فتحة بين حاجزين من الحديد يفصلان الرصيف عن الشارع. فشلت في المرة الأولى ثم في الثانية، وفي الثالثة أيقنت أن من الأسلم الاحتماء بظهر رجل عريض وضخم لكي أتلافى دوس الأقدام على قدمي شبه العاريتين الا من كف جلدي. كل ما حف بالأرض أثار غبارا أسود بلون الدخان المنبعث من السيارات المنتظرة للسيل البشري ان يتوقف عن التدفق.
لم ينته الجهاد بعد، بل بدأ عند وصولي إلى قنطرة باب العمود ، التي التحمت تحتها أكتاف آلاف البشر، وحشرت كتفي بينها، ثم ركبتها كما يركب الموج، ولكن ما إن غاب كتفي عن نظري حتى لفظني الموج بين بسطتي كعك وبسطة ألعاب أطفال، غرق صاحباهما في الضحك من المشهد. عاودت الكرة حانقة من ضحكهما، فدفعت بنفسي نحو الموج بقوة هذه المرة، لكن الموج قذفني فوجدتني أتراجع مع بعض الأجساد ثلاثة امتار نحو الدرجات. فما كان لي إلا أن أجلس على إحداها لالتقط انفاسي، ولأضع خطة للنفاذ الى البلدة القديمة.
كانت خطتي في منتهى الاستسلام، وهي أن انتظر الى ما بعد الصلاة. فجلست استمع الى جوقة زعيق الباصات وأصحاب الباصات، وكنت أتمنى الصمم من صميم قلبي.
قرعت جرس باب البديري وأنا لا أدري كيف سأفسر لشيماء ابنة عبد الله البديري سبب تأخري، وهي التي أكدت لي ان ربع ساعة تأخير عن موعد والدها يعني الغاء الموعد نهائيا.
بادرت شيماء بالقول إن هذه المدينة ستتحول الى حطام خلال عقد من الزمان اذا لم يجدوا حلولا سريعة لهذه الأزمة. تصوري، كم قرنا من الزمان عاشت هذه المدينة؟ وأمام كم غزو صمدت؟ وقارنيها بعدد السنوات تحت الاحتلال الاسرائيلي، فستجدين أن الخراب الذي أصابها وأصاب عماراتها وآثارها في هذه الفترة القصيرة هو عشرات المرات أكثر مما أصابها على مر العصور! ماذا يقول لك ذلك؟
عندما صافحت عبد الله البديري لاحظت أنه لا يراني وأنه أعمى تماما، ولاحظ هو ارتباكي لا أعرف كيف، فقال:" ريحني العمى من رؤية عراضات الزعماء على التلفزيون، مسكين التلفزيون كان يضل مبلول من بصقي عليه، ارتاح مني".
" حمام العين هو عيَنة يا بنتي من القدس، هو رمز الاستيطان، والانهيار والاهمال. أنا بالنسبة لي حمام العين رمز لأنه اثناء حرب 1948 استعملت مصاطب الحمام مكانا للقيادة، تشكلت لجنة القدس، ومن هناك كانت تطلع المناشير".
سألني عبد الله: لماذا لا توثق القدس كلها؟ لماذا لا تحكى قصص كل زاوية في القدس؟ بما أنه وفي جميع الأحوال البلد رايحة، على الأقل ترك هذه الذاكرة الحية للأجيال القادمة.
ثم أرخى بقايا أهداب على عينين لا بريق لهما وهمس قائلا:" قال الله لا يفلح الخائن حيث أتى" ثم فتح عينيه وكأنه يراني فذعرت وحمدت الله أنه لا يراني وقال:" العرب أصحاب حق لكن خانوا حقهم، واليهود أصحاب باطل، لكن أخلصوا لباطلهم. الانسان لما يخون حقه فهو بالتالي يخون وجوده".
سقطت القدس في ثلاثة أيام، وسقط كل شيء فيها بيد اليهود. حمام العين سقط معها، وقد كان منتدى لحل المشاكل، ولعقد الصلح بين الناس بعد صلاة الجمعة. كان حمام العين مخزنا للأسلحة، وكان مكانا يلتقي فيه الوجهاء في اللحظات الحرجة، وحماما في الأيام العادية.
كنت مع حازم محمود عزيز الخالدي في دورة عسكرية، وكان عبد الله التل من الأردن، وكان في دورة لليهود. لاحظنا مستوى التدريب للعرب، ومستوى التدريب لليهود. نحن العرب كان تدريبنا على الركض، تدريب اليهود على استعمال الأسلحة القتالية.
سكت عبد الله، وفجأه شد انتباهي الصمت الذي خيم في غرفة سمك جدرانها يزيد على المتر. نظرت الى السقف الذي أخذ شكل الأقواس التي يرتكز عليها، ولما لاحظ أنني لن أسأله سؤالا قال كالحالم: دار نسيبة أصلهم من الأنصار، والرسول يقول "الناس أمناء على أنسابهم". دار نسيبة معهم مفاتيح كنيسة القيامة وانجبوا رجالا. ودار الخالدي معروفون، الحسيني، النشاشبية، والشهابي، هذا الحمام مقر القيادة وقت الضيق، لماذا لا تحكى القصة بكاملها؟"
سألت لماذا لم يذكر البديري؟
أجاب وهو يبحث عن شيء يمسكه بيده:" نحن أتينا من مراكش في المغرب لمحاربة نابليون. جدي كان مع جماعة الجزار، جدي من المجموعة التي طهرت مصر من الفرنسيين، اسمه الشيخ محمد بدير الشهير، كافأه السلطان محمود على عمله في الجيش ووهبه قرية قزازة ليس بعيدا عن مدينة الرملة في عام 1940.
التفت عبد الله نحوي وقال لي باللغة الانجليزية you are a green hornأي أنت قرن أخضر(اشارة منه إلى جهلي بتاريخ عائلات القدس). ثم مضى يقول إنه لما تمرد محمد علي باشا وبعث ابنه ابراهيم لمحاربة السلطان، جدي كان يحارب ابراهيم، وأخذوه وأسيرا، لكن جاءه العفو وجوزه محمد علي بفتاة مصرية من عائلة ضيف، وعاد بها الى اسطنبول، وعندها أهداه السلطان قرية قزازة. وأنا رأيت الفرمان، الفرمان كان موجودا بحوزة خليل البديري.
سكت عبد الله البديري وكأنه نسي أنني موجودة، وجاء صوت آذان العصر من جهة الحرم. جاء متسربا من النافذة، غرق عبد الله البديري في صمته، ومال بأذنه نحو النافذة، تمتم بالشكر على نعمته، وخالجني شيء من الخشية، فحرصت على ألا تزعجه حتى أنفاسي.
ثم دون مقدمات قال:" قال الرسول لمعاذ بن جبل: "ليفتحن عليكم الشام من العريش الى الفرات، فمن سكن في ساحل من سواحلِ أو في بيت المقدس فهو في جهادٍ الى يوم القيامة".
قلت لعبد الله البديري إن هناك ما يشبه اللجنة الأهلية للدفاع عن مقبرة ماميلا، وهذه بداية عن الدفاع عن مواقع ولم الناس من حول هذه المواقع، واضفت بعد تردد: "وربما كتاب حمام العين هو باكورة توثيق قصص البلدة القديمة في القدس" وهناك بالفعل اهتمام من عائلة الخوري وعائلة الخطيب لتوثيق تاريخ القدس. ومنهم من تحدث معي بالفعل.
لم يهتم عبد الله بما قلت، لكنه رفع اصبعه محذرا:
"ها يا بنتي، راح الوطن، قعدوا الصليبيين ثمانين عام، وحملوا القتلى على مقبرة ماميلا، والذين حملوا القتلى قتلوا هناك في المقبرة، وقتلوا كل من دب على الأرض، ولن يخرج اليهود منها الا عندما يتحول بيت المقدس الى خراب، ومن لا يعتقد ذلك فهو خائن".
سكت عبد الله البديري واعتقدت بأن هذا الصمت هو بمثابة اعلان لانتهاء الزيارة، لكنه قال بصوت مرهق ومنخفض كالأنين:"
صلاح الدين استرجع القدس، لكن أخاه باعها للامبراطور الألماني فريديريك، وبعث للبابا رسالة قال له فيها( لقد حررتها لك). اخو صلاح الدين كان في باله يتجوز اخت قلب الأسد، عشان يوحد المملكه، قالت له بتتحول لديني ؟ صلاح الدين ما قصر، لكن اخوه الكامل لأ، هلأ بيروحوا يسألو وين انت يا صلاح الدين؟ صلاح الدين مات. قال الرسول: "إن كنت سائلا فسأل الله وإن كنت مستعينا فاستعن بالله".
وقفت لأودع عبد الله البديري الذي لم يفلت يدي وهو يقول: أذكر براني الفول لما كانوا يجيبوها ويبيتوها على نار الحمام، تطبخ على حم النار، و ثاني يوم ياخدوها على المطاعم، بتعرفي البرناي؟
كان رباح أبو ميزر في انتظاري بجانب باب أميم حمام العين. نظر الى ساعته وقال:" ليش تأخرتي؟ يلا في بعد وقت للإفطار، ثم هم رباح بخطواته القصيرة قائلا:" في شي حابب إنو تشوفي، وأكيد ما حدا حكالك عنو". وقف رباح أمام سوق القطانين وأدار وجهه نحو باب المغاربة حيث تقع حارة شرف التي تسمى اليوم بحارة اليهود.
"شايفة هذه القنطرة، هذه ما كانت قنطرة، هذه هون كان في غرفة مكان القنطرة، وعند باب الغرفة هذه بنتهي طريق الواد، فتحوها اليهود ووصّلوا باب المغاربة في طريق الواد. كانت هذه الغرفة مخزن يحطوا فيها الخشب والكراتين وأي اشي عشان النار لتسخين الأميم، وكان ابوعبدو ينام فيها، أبو عبدو هو المسؤول عن لم أي مادة للحرق عشان الحمام".
وقف جنود عند البوابة التي اشار إليها رباح، وعندما سألته لماذا الجنود؟ قال رباح:" عشان هون باب الكوتيل، يعني حائط المبكى، بعد ما تعبري من البوابة في ساحة المبكى، هي ما كانت ساحة، هذه كانت معمرة بالبيوت، كلها تهدمت عشان يعملوا الساحة، من هون ممنوع يعبروا العرب، بس أجانب ويهود، العرب عملولهم طريق التفافية كلها درج وسلالم، روحك بتطلع لتخلصي اللفة".
سكت رباح ليلتقط انفاسه، ثم نظر الى ساعته، ثم الى السماء باحثا عن الشمس ليطمئن على موعد الافطار، ثم أشار إلي بالعودة الى الناحية المعاكسة لباب حارة اليهود، وقال: " فش عندهم رحمة، آثار مش آثار، أي منفذ بقدروا يحطوا ايدهم عليه بوخذوه، بمشو تحت الأرض، بطلعوا علينا من تحت ومن فوق".
نظر رباح في عيني وتابع قائلا : "سميرة نور الدين عندهم مخزن تحت الدار ومعها مفتاحه، يوم سمعت صياح من وراء باب المخزن، حاولت تفتح ما كانش يفتح، دفشت واللا يهود ساكنين في المخزن، نافدين عليه من بيت ثاني".
سألت رباح، طيب وبعدين؟
أجاب:" ولا قبلين راح المخزن، هذه بنتي عهود كانت قاعدة في المطبخ، واللا اليهود نازلين على السطح وحاملين شباك حديد قديم، وزوجتي بتنادي وبتقول في ضو طالع من الحيط، رحت أشوف واللا هم ثلاثة نازلين على السطوح، قمت انا حطيت برميل الغاز وقلت لهم اللي بقرب بولع البرميل، قال جايبين شباك قديم عشان يقولوا في المحاكم انو هذا الشباك قديم وموجود من زمان".
وصلنا إلى السلم الموصل الى سطح الحمام، صعدت مع رباح، عند قباب الحمام، التي لم يتبق من اسطواناتها الزجاجية الملونة الا بقايا لا تشي بالماضي القريب بشيء.
نبهني رباح الى نافذتين مع شبك من حديد على يمين الحمام. قال رباح:" هذا كنيس إلهم، اليوم فتحوا الشبابيك، بكرة رايحين يبنوا غرفة، وهيك شوي شوي بحتلوا الحمام، وهيك احتلوا القدس".
هبطنا من على سطح الحمام، سرنا في طريق الواد بضعة أمتار،ثم شدني رباح نحو طريق على اليمين.
مد رباح يده مشيراً الى أحد البيوت، أمامه حديقة بانت أشجارها المهملة، وجدارها الآيل للسقوط: "هذه دار أبو ميالي، اليهود جابوا ابن أبو ميالي مكلبش، هناك تحت التوتة، كان الزلمة مخبي سلاح، هذا الحكي في سنة1969 ، هذاك البيت اللي جنبه دار الترهي شمعولهم الدار ومنعوهم يفوتوا عليه، هلكيت بتلاقي دار الترهي ساكنين تلا قلنديا واللا بيت حنينا، مع انو بيوتهم هون".
تقدم رباح قليلاً ثم ضرب على صدره بغضب وقال:" هاي دار الياسين، ابنهم انحبس قدامي، قبل 25 سنة جابوا المستوطنين جرافة، وبعدين سكروا الحيط عليها، وكتبوا اسم اليهودي اللي انقتل تحت القنطرة اللي بتنفذ على الكوتيل ( حائط المبكى).
عدنا أدراجنا نحو طريق الواد، رباح بدأ يهمس لي وهو يشير الى شخصين أحدهم كان يرتدي ملابس المتدينين اليهود، والثاني اكتفى بالقبعة الصغيرة على رأسه، كلاهما كانا ملتحيين، ولكن أحدهم بلحية سوداء كثيفة، والثاني بلحية شقراء، قصير القامة نحيل الجسم.
:" هذول من الثابتين في البلد، هذاك الأشقر بكون أخو كهانا، ساكن في البيت الفوقاني، هذا مثل المي وين بلاقي شرخ بفوت فيه، بعرض مصاري على سكان البلد القديمة عشان يشتري، أي واحد بعرف عنه انو جوعان ما عندوش مصدر مالي، بروح بطمعو وبحاول يشتري بيته، ونجح كثير وفي ناس باعوا".
ودعت رباح وتمنيت له إفطارا مباركاً، وصعدت متوجهة نحو باب العمود. قطعت الطريق واتجهت نحو شارع صلاح الدين. كانت الشمس قد اختفت تماما ولم يبق في الطريق سوى أفراد هنا وهناك يحملون صحون الحمص والفلافل الطازج، وهما الطبقان اللذان لا يغيبان أبدا عن مائدة افطار العائلة المقدسية. كنت قد سألت عن السبب، لكن أحدا لم يعرف الاجابة . مررت ببائع عصير اللوز، كان قد بدأ يشرب عصير التمر عند سماع "الله أكبر"، توقف عندما رآني واضعة يدي على زجاجة عصير اللوز، أشار إلي بيده مشعرا بأن اليوم عليه. شكرته وفتحتها وشربت نصفها.
كان البائع يراقبني مبتسماً،ثم قال:" سعادة ها؟ لما تشربي عصير اللوز وخاصة اذا نقع فيه الزبيب في شوارع القدس، يعني انتي اتعمدتي بمحبة القدس، مبروك عليكي". ثم أشار بإصبعه إلى خارج الدكان وقال ضاحكا:" عصير اللوز هو مرامهم ربما... من يدري"؟
Thursday, September 30, 2010
Tuesday, September 28, 2010
Friday, May 30, 2008
البحث عن محمود درويش في كردستان
http://www.weghatnazar.com/article/article_details.asp?id=1355&issue_id=89
،
البحث عن محمود درويش في كردستان ،
البحث عن كردستان في محمود درويش
بقلم: امتياز دياب
كانون أول 2008
أنا من الجيل الذي تربى في السبعينات على كلمات الشاعر. وكانت قصيدة "سجل أنا عربي " تمثل لنا نحن تلميذات وتلاميذ مدرسة ........في قرية تمرا في الجليل، النشيد الوطني السري الذي تنساب موسيقاه في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا كلما سمعنا النشيد الوطني لدولة إسرائيل.
وجاء وقت تعرفت فيه شخصياً على الشاعر في أوروبا، بعد أن عملت في مهنة الصحافة وانتقلت من فلسطين إلى جنيف في سويسرا
وجاء وقت شجعني فيه الشاعر على متابعة تسجيل اللقاءات التي أجريتها ،والانطباعات التي عشتها ، في فلسطين أيام الانتفاضة الأولى عندما قام بنشر تلك الانطباعات في مجلة الكرمل.
وجاء وقت قام بنشر ما كتبته من لقاءات وانطباعات عن أيام الانتفاضة الثانية في مجلة الكرمل.
ثم جاء ذلك اليوم من حزيران الذي كنت فيه في الجليل وشهدت فيه وداع فلسطين للشاعر.
بعد ذلك بأيام ، وعدت بكتابة مقال للعد الخاص الذي تصدره أحدى المجلات الأدبية عن الشاعر.وبعد أيام أخرى قررت أن ل أكتب ذلك المقال.
وفي أكتوبر الماضي سافرت إلى كردستان العراق في مهمة صحفية، وفي تلك الرحلة مارست عادتي في تسجيل لقاءاتي وانطباعاتي بشكل يومي ، وفيما يلي جزء مما كتبت.
(1)
أفاقت مدينة السليمانية وجبالها ما زالت محتفظة بغطاء رقيق من الضباب، بدأ بالتبعثر مع زحف أشعة الشمس، التي ما زالت مبتلة بأمطار تشرين. اغتسلت سطوح البنايات الإسمنتية التي بنيت على عجل،بفضل قانون النفط مقابل الغذاء.
جلس فرهاد على طاولة مع رجلين، كان احدهما يتصارع مع حبة برتقال، رفضت الاستسلام لسكين غير ملائم لقشرة طرية و قديمة،كانوا يتحدثون عن قانون تعدد الزوجات،الذي يشترط على الراغب في زوجة ثانية أن يثبت أن زوجته مريضة وغير قادرة على ممارسة حقوق الزوج أو أن تكون عاقر. انفجرت البرتقالة بين يدي بختيار، وانتشر عصيرها علي يديه ووجهه وثيابه، ولعن الفنادق في الشرق، التي تدعي أنها خمسة نجوم،وهي لا تساوي نجمتين في أوروبا.
ثم نظر إلى كومة من الملاعق والشوك، وضعها احد الخدم في وسط المائدة، وكأنها ذاهبة إلى التنظيف، وقال: أتوا بمدير من لبنان للفندق، ولكن ما ابعد مستوى الخدمة عن لبنان.
عرفني فرهاد على الرجلين في وسط الحديث، وكأني وصلت للتو.
انتهت أغنية (على باب الله يا صنايعية)، وتبعتها أغنية (ريتا) لمارسيل خليفة. قال الرجل الثاني الذي عرف بنفسه قائلاً أن أسمه سروة: هذه الأغنية من كلمات محمود درويش، هل تعرفينه؟
قلت: "طبعاً اعرفه"ً.
ثم انطلق سروة يحدثني بعينين حادتين صغيرتين، توسطتا وجهاً نحيلاً :" كنت أعتقد ان محمود درويش كرديٌ". وعندما رأى نظرة الاستغراب والدهشة في عيني ،قال:" بدأت قراءة محمود درويش عندما كان عمري اثنا عشر عاما، كان صعبا علي أن أدرك بان هناك من يعاني مثل الشعب الكردي، فاعتقدت انه تحدث عن عذاب الأكراد، وفي ذات يوم ، وعندما كان عمري ستة عشر عاما، كنت في سوق الكتب في طهران، رأيت كتابا عليه اسم محمود درويش،ولكن باللغة العربية، فسألت البائع،" لماذا كتب على الكتاب باللغة العربية، قال لي حينها،لأن محمود درويش عربي من فلسطين".
سكت سروة عن الحديث، ونظر في عيني وانتظر، ثم قال لي همساً:
" بين ريتا وعيوني .. بندقية ".
ثم انحنى ليلتقط حقيبته، وأخرج جريدة عليها صورة محمود درويش، فتحها بين يدين مرفوعتين لكي أرى بوضوح، ثم قال لي : "هل تعرفين شيركو بيكاس"؟ ودون أن ينتظر الإجابة، أردف:" شيركو هو محمود درويش الأكراد، كتب هذه القصيدة في رثاء درويش".
وبحماس ترجم لي :
لماذا مات هذا النهر فجأة؟
لماذا اسودّ تل الزعتر هذا في طرفة عين؟
لماذا ؟ سقطت قصيدة البدر المتلألئ
من سناء حيفا و غرقت في البحر واختفت؟
يا ترى!
ثم نظر نحو فرهاد وقال: "يمكن لفرهاد ترجمة الباقي لك أفضل مني".
لكنه تابع الترجمة وقال:
من هنا
وعلى هذه الأرض المنكوبة لكردستان
من هنا
ومع تبرعم وتساقط أوراق شعرنا
من هنا
وفي هذه الأمسية من شهر أيلول
تذكرت محمود درويش.
يا ترى!
نظر فرهاد متسائلا:"هل تريدين اللقاء مع شيركوبيكاس"؟
(2)
التقيت كاكا شيركو بيكس مرتين، مرة في مكتبه، ومرة ثانية جاءني إلى الفندق لنذهب إلى تناول العشاء معا.ً
في المرة الثانية، قلت له مازحةً:" عندما التقيت بك في المرة الأولى، أهديتني قصيدة، ولم تكن تعرفني، هل كتبت لي قصيدة بعدما عرفتني"؟
سحب من جيب سترته ورقتين، فتحتهما، وقرأت الجزء الأخير :
أكتب بورقة عُشب
فأقرأ غابة.
أرى قطرة مطر
فأسمع زمجرة بحر.
في كفي حبة قمح
وفي روحي يبادر.
أحمل شعرة من ضفيرة حبيبتي
وبجانبي المحبة
عندي بيت واحد من شعر (نالي)
وأملك كردستان كلها!
كان مطعم أبو سناء مزدحماً، عندما لمحوا شاعر كردستان، وقف معظمهم احتراماً، رفع يده بالتحية دون أن ينظر لأحد بشكل خاص، تبعته رافعة يدي بالتحية وكأني نجمة مثله،ونظرت إلى الوجوه بإصرار لا أدري كنهه، لم ألمح وجه امرأة واحدة. عندها لحقت به على عجل. و بسرعة البرق، جهزوا مائدة أنيقة، في ركنً بعيد نوعاً ما، جلسنا على زاويتين متجاورتين.
نظر شيركو نحوي بعينين مبلولتين، وقال لي بعد ان لمس شارباً كان أشقرً، أو صار أشقر:
"تحملني غيمة بيضاء، وتنقلني إلى الأنفال،وكنت أرى الفتيات والشباب المطمورين تحت التراب، وأرى القمر فوقهم، أرى عذابهم حياٍّ بلحمه ودمه، لم يصل ألم الأنفال إلى العالم العربي وكأنهم رأوا حلماً عادياً، أن الم مذبحة الأنفال لم يختلط بقلوب الآخرين ".
.
أشعل كاكا شيركو سيجارة للمرة العاشرة في ظرف دقائق، ثم مال علي وهمس بشعر لمحمود درويش:" نسيت إنني قُتلت".
"كانت أمريكا تقول بأن الأنفال من صنع إيران، أمريكا عملت لصالحها، ومصلحتها مع صدام. أمريكا ما زالت تعمل لمصلحتها". "ملف القضية الكردية مفقود، اوباما مهم، لكن السياسة الأمريكية لا تنظر في القضايا الإنسانية، سواء القضية الفلسطينية أو الكردية".
جاء النادل وغيرَ المنفضة بأخرى نظيفة، وأراد أن يملأ كأس كاكا شيركو ، لكن كاكا صرفه عن ذلك، فانسحب معتذراً.
وضع شيركو يده على يدي التي كانت تمسك بالقلم، وقال لا تكتبي، لم الكتابة؟ دعينا نقرض الشعر، لكنه أضاف:" هناك قضايا لم تحسم بعد، مسألة كركوك، كركوك هي قدس العراق، ومسألة دولة كردية، كردستان ليست سليمانية ودهوك واربيل، بعد الحرب العالمية الأولى قسمت المناطق بين النفوذ الفارسي والانجليزي والتركي، كانت الموصل تابعة للدولة الكردية، وألحقت بالعراق قسراً،كل هذه التقسيمات تمت بإشراف عصبة الأمم".
ثم نظر شيركو نحوي متسائلاً،"لماذا يعتقد العرب أن كردستان جزء من العالم العربي؟".
لا ينتظر إجابتي ويسترسل،"إنا لا أومن بالمقاومة المسلحة، إنا أومن بالحوار والتوافق، إنا مع الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي، يعيبون على الأكراد علاقاتهم مع إسرائيل، بينما هذه العلاقة لا يختلف مستواها عن العلاقة المصرية أو الأردنية مع إسرائيل! هل هذا حلال لهم وحرام علينا"؟
على صوت ام كلثوم (أعطني حريتي أطلق يديَّ، إنني أعطيت ما استبقيت شياّ). علت أصوات طربت لصرخة كوكبة الشرق، استدار شيركو ونظر حوله مبتسماً وقال:"إن اللذين لا يحبون أم كلثوم، ما هم إلا أغبياء القلوب".
انتظر شيركو حتى خفتت الأناّت،وتابع:"المثقفون العرب يعتبرون الأكراد جزءاً من الوطن العربي، وهذا فكر محدود، عشرون مليون كردي في تركيا، ثمانية ملايين كردي في ايران، ومليون في سوريا، وأربع ملايين في العراق، أي أربعون مليون كردي، صدام وأد ودمر ودفن وذبح مئات الآلاف كانوا يعيشون في أربع آلاف وخمس مائة قرية، دمرها، وحرق الجبال،حشر ما تبقى في مجمعات سماها بالمجمعات العصرية، كان عليه تسميتها، مجمعات قصريه، أين كان المثقف العربي حين ذاك؟ وأين هو الآن؟ .
اعتقدت بأن شيركو بيكاس سيتهاوى أمامي، أسند ظهره على مقعده، وأنصت بأذنه نحوي،بحثت عن شيء لأقوله، وأثناء بحثي، أسعفتني أم كلثوم:"واعرف حكايات مليانة آهات.. ودموع وأنين".
أغمض عينيه، وكأنه يغفو، لكن ، وكأن شفتيه تمتمتا مع ام كلثوم:
يا ما ظلمتو الحب وقلتو وعدتو عليه، مش عارف ايه...
العيب فيكم، يا في حبايبكم
أما الحب؟! أما الحب؟! يا روحي عليه.. يا روحي عليه".
ودون أن يفتح عينيه قال:"العرب يعرفون لوركا، ولا يعرفون شاعراً كردياً واحداً، لا يعرفون شيئاً عن الفن الكردي".
ثم فتح عينيه، وقال وكأنه ما زال يتمم كلمات أغنية الأمل لأم كلثوم:"جميع المآسي التي حصلت في منطقتنا تأتي من الأيديولوجية المتطرفة، الشمولية، ولهذا لن نتوصل إلى أفق رحب، السبب هو الفكر، وليس في الأشكال الأخرى، في إيران يقولون كلنا إيرانيون، وفي العراق يقولون كلنا عراقيون، لكن هل هذه هي الحقيقة؟
صمت شيركو، وأحرق سيجارة بأكملها، قبل أن ينظر لي في عتاب ويقول:"قصائد الشعراء الأكراد تتغنى بفلسطين وبمحمود درويش، أين كانت الأقلام المناضلة في مذبحة حلبشة؟ وهذه نقطة سوداء في تاريخهم،والسؤال لماذا انتم صامتون؟ والصمت للأديب والمثقف هو قبر.
قلت لشيركو مدافعة: "محمود درويش كتب ليس للكردي إلا الريح".
ردّ شيركو:"باللغة انتصرت على الهوية،"
قلت للكردي:" باللغة انتقمت من الغياب"
فقال: "لن أمضي للصحراء"
قلت: "ولا أنا..."
ونظرت نحو الريح:
- عمت مساء
- عمت مساء!
واستدرك شيركو بيكاس" ليس الجميع، سعدي يوسف، هادي العلوي، هناك الكثيرون الذين رفضوا الصمت، لكن هناك الكثيرون فضلوا الصمت، نزار قباني لم يكتب جملة واحدة عن الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الكردي، إنا أيضا أوجه الانتقاد إلى الحكومة الكردية بأنها لم تترجم الأدب الكردي إلى اللغة العربية".
"لماذا أصبح الكردي اقرب للمثقف الألماني منه إلى المثقف العربي"؟ سألني شيركو
إلا انه أجاب على سؤاله بنفسه" في المهرجانات التي تقام في مصر، لا يدعون شاعراً كردياً واحد، حتى سليم بركات لم يدع، مع انه كتب باللغة العربية، وهو كاتب رائع".
فرغ المطعم من زبائنه، لم يكن في المطعم سوى أم كلثوم التي قالت:" ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم...بعد أن عز اللقاء.. وإذا أنكر خلاً خلَّهُ...."
قال شيركو وهو ينهض"ربما هناك..في كل بلد محمود درويش آخر، محمود درويش كردي".
أجابته أم كلثوم: "ومضى كلٌّ الى غايته..لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء...."
(3)
وقفت بنت كردية، تحت ضوء القمر الذي اتكأ على كتف جبل، ولوّن أكواخ القرية البريئة. أشعلت عود الثقاب فإلتهم ثوبها الكردي المبلول بالنفط.
رفرفت طائرة ورقية فوق اللهب، اختطفت روح الجميلة الكردية، وناولتها هدية للقمر، الذي اشتد ضوءه وتحول إلى شمس، أيقظ سكان الأكواخ الذين تركوا براءتهم في مخادعهم.
وسألوا ما الخبر؟
قال الأب: تمرد قلبها عليها.
قالت إلام:أراد لنفسه بنتاً مثلها، فقدمها مهراً لأب مثله.
قال الحبيب: الموت لا يعني لنا شيئاً. نكون فلا يكون.
قال الأب:النسيان ضروري لذاكرة المكان.
قال الحبيب:الموت لا يعني لنا يكون فلا نكون.
هذا ما فهمته من فيلم كتبه وأخرجه المخرج الكردي هالكاوت، من بغداد.
"ازدادت حوادث الانتحار بين الصبايا الكرديات، وما أن يهرعوا لمنعها من تمرد قلبها عليها، أو من مقايضتها مقابل صبية مثلها، لمتعة والدا الصبيتين، حتى يشتعل عودا ثقاب في ثوباهما. ويبقى الحبيب ليحكي قصة الموت على طريقة محمود درويش".
عاد هالكاوت من المنفى، ليحكي في أفلامه قصة موت آخر، لا وقت لأحد ليحكيه للآخرين، ولا مجال في النشرات الإخبارية لهذا النوع من الموت في العراق.
رنا هالكاوت نحو شاب وشابة جلسا في إحدى زوايا المقهى، تشابكت يداهما تحت الطاولة على عجل، بحثت الصغيرة بعينيها لتتأكد بأن أحداً لم يلتقط تلك اللحظة العجولة. لم تلحظ هالكاوت الذي سارع ليلتفت نحوي قائلاً:"يخافان الفرح".
نظرت بدوري متلصلصة على لحظة حب، تعلقت بين وجهين هائمين على صوت غناء تارة جاف تصاحبها قيثارة:
(يا ران، دوس يارن بيدِ يّا... يا نو نازارام بي نيشان ديد ِيّا).
يا حبي الجميل، يا حبيب الروح
أحلامي في الليل لا ترتاح دونك
عندما أفكر بك أنوح مرّة أخرى..
تنهد هالكاوت، وحول نظراته نحو جبل أُزمر، وقال فجأة:"أحن إلى قهوة أمي.. في صباح بغدادي عادي".
((عندما كتبت هذه السطور مما استذكرته مع هالكاوت، جاءني خبر وفاة والدته في بغداد)).
(4)
شوانَدي لدرواري هوشم أديت
تأتين في الليل.. و
تطرقين باب إحساسي
أنشد كِلْبا على جيتاره حزينا على فراق حبيبته، عندما كنا نسير على طريق دوكان، بمحاذاة جبل بيراماجرون. عبرنا أمام قلعة سوسي، التي حولها الأمريكان إلى سجن، هرب منها سبعة أشخاص، ولم يجدوا مكانا للاختباء، في السهول التي ترامت حول القلعة عند أقدام جبل سارة، ماتت قرى السهول التي سكنت هنا حرقاً.
وغنى شيركو لهذه السهول:
(أنها قصيدة ترتدي الحداد في تابوت ابنها، وتنام).
تململت سارة في مضجعها، وتدحرجت منها دمعة لدى سماعها موسيقى( دركو)، الذي انَّت جيتارته بلحن فردي،وشجا صوته باكياً يقول:"كلما قصرت المسافة نحو سارة، كلما انتفض القلب خشوعاً". لذلك الحب الذي اندفن عند أقدامك.. سارة.
دارت الطريق بعد قمة سارة، وتغير المشهد، حيث جلست تلال وكأنها ملفوفة حول بعضها، طلباً للدفء. ثم حاذينا جبل كوسرت،الذي سبقنا إلى قمته متسلقاً صوت شفان:
ايه يا فرات أي فرات
سر كما اريدك
اجري كما أريدك
انت تريد الحرية مثلي.
عندما وصلنا الى خلكان، تسارعت أصابع شفان على البُزُق وقال:
وايلي مي .. وايلي مي.. وايلي مي
دابرارابن.. دابرونن
انهضوا.. تقدموا
سارفراسكن..راي ازداي
ارفعوا راية الحرية
فتح جبل جناروك ذراعيه، وكأنه يريد حماية جبل هيبت سلطان، الذي التحم بظهره تماما.
وقف جنين في حديقة المطعم، التي أشرفت مصطبتها على مدينة رانية، عند أقدام جبل قنديل.
لم يكن في المطعم أحد، وكأنه مهجور، جلست وجنين على طاولة في طرف المصطبة، سألني جنين بعد الكثير من الصمت، لماذا أردت لقائي؟
قلت له وأنا شاخصة بنظري إلى قمة قنديل: لكي أسألك، لماذا سموك جنين؟
نظر جنين نحو الجرف الذي يفصلنا عن قنديل، وبصوت طيب قال:كان أبي جندياً في الجيش العراقي، ذهب مع الجيش العراقي إلى فلسطين عام1948 ، كان في جنين عندما وصلته برقية من اربيل تبشره بخبر مولدي، وأرسل لهم بان يطلقوا علي اسم جنين، أحياءا لذكرى تحرير المدينة. وصمت جنين، واعتقدت بأنه سينهض ثم يذهب، ثم بحث في جيبه قليلاً، فاخرج هاتفه المحمول، وتحدث بالتركمانية، وعندما رآني انظر إليه متسائلة، قال لي دون ان يضع يده على السماعة، هذه ابنتي، ثم عاد للحديث بالتركمانية، دقيقة وأغلق هاتفه وهو يقول: ممنون.
يا أخي الثائر، ردد جنين:" أخي الثائر، قصيدة محمود درويش التي مدح فيها الأكراد".
سألت جنين عن سبب حديثه باللهجة التركمانية وليس بالكردية، قال بابتسامة أختصرت عشرات السنين من سنين عمره الستين: انا كردي متزوج من تركمانية، عندما اجتمع مع ابناء عمومتي، نجلس ولا نجد لغة توحدنا جميعاً، منهم من لا يعرف الكردية، او لا يعرف العربية ويتحدث بلهجة آشورية. كانت دراستنا باللغة العربية، وبالكردي السوراني، الآن يستعملون فقط اللغة الكردية، لكن مع مصطلحات لاتينية.
دقق جنين النظر في أوراقي ، وتردد لحظة قبل ان يقول: شكراً لياسر عرفات.
وعندما لاحظ إنني لم افهم عما يتحدث، قال:" ياسر عرفات، هو الذي رفض مناقشة مشروع ترحيل الأكراد، وإرسالهم إلى السودان، كان ذلك ربما في القمة العربية الثانية، قال ياسر عرفات (لا نريد مناصرة الشعب الفلسطيني وتدمير شعب آخر). أنا عرفت ذلك لأنني كنت اعمل في وزارة الإعلام، لكنني تقاعدت في عام 1985 ، بعدها طورت الإذاعة وتلفزيون المستقبل في كردستان، بمساعدات من فلسطين.
وقف جنين منهياً اللقاء، وقال:" يجب أن أعود للبيت الآن" مشى عدة خطوات ثم عاد وقال" حرام ما يحدث للفلسطيني في العراق، حرام أن يتشردوا الآن في الصحراء، كان صدام يستعملهم، أكثر مما خدموه، الأكراد استفادوا من علاقاتهم مع الثورة الفلسطينية، جميعهم تدرب هناك، وعن طريقهم كانت تأتي الأموال إلى بشمرجة الجبال، حرام ما يحدث لهم الآن. على الحكومة الكردية أن تستضيفهم في كردستان، لكي تشكر ياسر عرفات، على ..الأقل".
في كل منفى من منافيهم بلادٌ لم يصبها أي سوء..
صنعوا خرافتهم كما شاءوا، وشادوا للحصى ألقَ الطيور
وكلما مروا بنهر... مزّقوهُ، وأحرقوهُ، من الجنين..
وكلمّ مرّوا بسوسنه بكوا وتساءلوا: هل نحن شعب أم نبيذٌ
للقرابين الجديدة؟
رواندوز، مصيف رواندوز، مقابل جبل كوراك، ومن وراءه على مدى البصر جبل حساروست، وخلف كركوك شلال بيخال، نزل كامران حافي القدمين ورقص تحت المطر، ونظر اليه رومان وفرهاد سعيدين بسعادته الطفولية، توقف كامران عن الرقص فجأة وهرع الى آلة التصوير، ووضع عدسة هائلة الطول، اسند العدسة على كتف رومان وكأنها آربي جيه، وبدأ بتصوير القمر،الذي اعتلى نهاية الجرف المطل طريق هاملتون، الطريق القديم لهاملتون. كان فرهاد يشير بيده الى كل الجهات، وكأنه لا يريدني أن اغفل عن اية بقعة من جباله التي عشقها، وسكن قممها والده، عندما كان مع البشمرجة ، مجموعة جلال طالباني.
اقترح رومان بان نقضي ليلة أخرى في رواندوز.
تدفقت القصص من فم فرهاد، أحيانا أتابعه، وأحيانً لا ملك ذلك،أسمعه يقول ونحن على حافة خطرة، هنا قتل سعد عبد الله، أول شهداء سوران، من مجموعة البارازانيين الذين يتعممون بالعمامة الحمراء، يترك مقود السيارة ليتأكد من انني نظرت بالاتجاه الصحيح،وأنا أصاب بالدوار، لم ينتبه على لوني المصفر تماما،وذلك لدواعي سروره باهتمامي بجمال الجبال.
أما عندما قلت له، بأن جبال كردستان هي أجمل من جبال سويسرا، وكنت صادقة في ذلك، عندما شرحت له بأن جبال سويسرا هي حقاً أجمل بقاع الأرض، لكن اذا سكنتها، أو جلست مقابلها، تنسى أنها موجودة بعد فترة، لأنها مثل الجميلة الصامتة، بينما هذه الجبال بإمكاني الاستماع إلى أنفاسها، وكأني نمت ليلة على الشاطئ، وصوت الأمواج يهدهدني، وهذه الجبال لها صوت هدير البحر. قال لي بكل صدق:"أنت مثل الوطن".
ثم تابع محاولاً ألا يهول الأمور،لكن صوته خانه، وعلا صوته قليلاً، وكأنه الناطق باسم جبال كردستان:
"على هذه الجبال الساحرة، على هذه الجبال القاسية ببردها بوعورتها، وشلالاتها المتجمدة، وثلجها المتجلد، شرد ثلاثة ملايين إنسان، تركوا المدن لتسكنها الأشباح، صعدوا الجبال، بعد احتلال قصير للبشمرجة للمدن الكردية، الذين استغلوا حالة الوهن التي أصيب بها جيش صدام، بعد فشله في احتلال الكويت.
جاء انتقام صدام، دموياً، وسقط عشرات الآلاف، من الجوع ، من البرد، من المرض، من الكيماوي". ودون أن يتوقف لأخذ أنفاسه استطرد فرهاد:" استمر العذاب والخوف حتى معركة كوري، على مضيق كوري، وانهزم صدام وأوقفت دباباته".
سكت فرهاد عن الكلام، وأدار لي ظهره، ونظر نحو طريق الآلام طريق هاملتون،
وقال بصوت خفيض، لكنه واضح:" أنا حبة القمح التي ماتت.. لكي تخضر ثانية وفي موتي حياة ما".
ثم زفر مرة أخرى وقال: وانت تعود الى البيت بيتك..فكر بغيرك
وانت تعود الى البيت بيتك..فكر بغيرك
"انا فكرت في فلسطين عندما كنت عائداً الى البيت"
ركض القمر ورائنا، اختفى أحيانا وراء غيمة مبعثرة، صدح صوت هاشري متأوهاً:
لا أريد من الحب غير البداية
يغفو الحمام..
بدى شبح مجمع بيرا مجرون، ينظر الى جبل سارة التي احترقت في المنام، عندما غنى عزيز: أجريم بوباخ منجور.. أبكي على حظي.
وتلاعبت الرياح مع أنفاس الجبال، التي خلت سمائها من العصافير، مرت سحلية تائهة، نظرت قليلاً نحو المنحدر، ثم اختفت في ثقب، لم يرغب احد بإزعاج الصمت، و سارت السيارة بهدوء نحو المنحدر.
(5)
مطعم مظلم في مدينة أربيل،خلى من النساء، كان الزبائن يتحدثون همساً، كما هو الحال في جميع انحاء كردستان،اعتقدت في البداية ان سمعي قد خف في هذه البلاد، ولكن حين سمعتهم يردون على كل سؤال اسأله بهشش، انتبه بأن هذا يعني أنني تحدثت بصوت أعلى من المسموح به في كردستان.
قال (زهير وهو عراقي) بصوت أعلى من صوت رامون يرد على تذمره من فقر طلابه للمعلومات العامة، حتى انهم يعتقدون بأن تشيه جيفارا لاعب كرة:" قل لهم بأنه المُلّة بتاع جماعة الصدر". انفجر الجميع ضاحكين، لفتت قهقهاتهم أنظار الجالسين في المطعم. سارع رامون باطلاق الهشهشة مرّة أخرى، وقال:" غريب بأنهم لا يعرفون تشيه جيفارا ولكنهم يعرفون محمود درويش! . ربما هذا يعود لأن شعار المقاومة الكردية هو الأدب الفلسطيني، الشباب هنا لايعرفون الشعر الجاهلي، بينما الجميع يعرفون محمود درويش ومارسيل خليفة.
قال زهير:" معاناة الفدائي الكردي شابهت حياة الفدائي الفلسطيني، الفرق بينهم، هو أن معاناة الفلسطيني كانت في الساحل، بينما معاناة الكردي كانت في الجبال".
التقط د. علاء الحديث" بين اربيل وسوليمانية موجود مائتان وخمسون ألف فلسطيني، قال كاكا مسعود البارازاني، بأن أي فلسطيني هو ضيفي. كنت يوماً في بيت عبد الرازق، سمعت ابنه يدندن بأغنية أحن إلى خبز أمي، فسألته هل تعرف مارسيل خليفة؟ فقال لي لدي جميع أغانيه وغنى لي أنا عربي، أنا هنا أعامل باحترام أكثر من أي بلد عربي ذهبت إليه في حياتي".
مال علي د. علاء وهمس:" أرجو ان لا تذكري اسمي، إنا هارب من بغداد،يعد أن قتل زملائي الأطباء، وكنت آخر من هرب، آتاني شخص ونصحني بترك بغداد، لان ميليشيات الشيعة تبحث عن الأطباء، وأنا فلسطيني، فهربت ولم يبقى فلسطيني واحد في بغداد، الميليشيات الشيعية حولت الهوية الفلسطينية إلى جريمة، في كردستان العراق الحال مختلف،عندما يستقبل مام جلال السفراء العرب، ويصل دور الفلسطيني بالسلام، يقول له أنا كنت فدائياً فلسطينياً ".
سألني رامون:" هل تعرفي بأن صلاح الدين كان كردياً"؟.
ثم أنشد بهمس: هل خرَّ مهرك يا صلاح الدين..هل هوت البيارق
هل صار سيفك..صار مارق
ونقول فالتحيا العروبة
مري اذاً في أرض كردستان
مري ياعروبة
جلس آغا رستي أمير عشيرة بالاك ، على كنبة في غاية الأناقة ببساطتها، في غرفة تشبه في أثاثها مطعم في موسكو الشيوعي، لكن في بيت رئيس البرلمان الكردستاني. تعمم روستي بكيفية فلسطينية بشمرجية، حجبت جبهته، وأظهرت عينين حادتين لمعتا ببريق ساهم بإضاءة غرفة الجلوس شاحبة الضوء،حمل في يده سبحة خضراء بلون زيت الزيتون الطازج، بيد حملت تجاعيد ثمانين عاماً على اقل تقدير،وتمنطق بزنار عريض لفه بأناقة حول خصره النحيل.
رطن بالكردية مع عماد المفتي رئيس البرلمان، الذي لم تختفي ابتسامة لا تتناسب وتعابيره الجدية،سألت فرهاد عن موضوع المحادثة؟ قال فرهاد وهو يبتسم :" يتحدثون عن حق المرأة بطلب الطلاق، في حال تزوج زوجها بامرأة أخرى، في ظل القانون الجديد".
سألته ولماذا يهم الأمير روستي هذا الموضع؟
فرهاد: " لانه يريد الزواج من امرأة ثانية، وهو يقول بان زوجته مريضة".
وسألت فرهاد ان يسأل روستي ، "أي امرأة ستقبل بالزواج من رجل دخل العقد التاسع من عمره، وهل هو قادر جسدياً على ذلك"؟
رطن فرهاد بالكردية مع روستي قليلاً، ثم قال لي:"يعرض عليك الزواج،ومهرك بستان مليء بأشجار الفاكهة".
وسألته " وهل يحق لي الزواج من رجل ثاني في ذات الوقت"؟
ضحك روستي متجاهلاً سؤالي، وقال:" مكانك هنا، انهضي معي الى البيت، وإن كنت زوجة لا تقوم بواجبها نحو زوجها، سأتركك".
وقلت له "ألا يعطيني مهلة للتفكير"؟
قال روستي:" على النساء أن يدعن التفكير".
ذهب روستي مع أبنائه الذين ضحكوا من قلب رائق على والدهم الذي طلب يد ضيفة الشخص الذي كان وراء قانون منع تعدد الزوجات، عدنان المفتي .
جلست مقابل عدنان ، وسألته عن علاقة كردستان بإسرائيل، وإذا ما كانوا يعتقدون ان الطريق الى امريكا هي عبر إسرائيل؟
اختفت الابتسامة عن ملامح عدنان الجدية، وقال تاركاً سبحته من يده، وكأن جدية الجواب لا تحتمل التسبيح "لا توجد علاقة كردية مع إسرائيل بذات قوة العلاقة الموجودة مع مصر أو الأردن. دخل طبيبان إسرائيليان الأراضي الكردية بعد مذبحة الأنفال، وواحد منهم طبيب أسنان، دخلا في حين لم تأت مساعدة عربية واحدة، ماذا نقول لهم نحن لسنا بحاجة؟ ونحن نموت"؟.
ودون أن يتخلى عن همسه، الذي اضطرني أن أغير مكاني وأجلس إلى جانبه في ذات الكنبة تابع همسه".انقطعت العلاقة العربية مع الأكراد مع عبد الناصر،الذي افتتح إذاعة كردية في مصر،عبد الناصر التقى طالباني، ومن خلال علاقات عبد الناصر ذهب إلى بيروت، لكن دعم العرب للحركة البعثية أجهض هذا التقارب، وانقسمت الحركة الكردية،لا توجد علاقة اسرائلية - كردية، الاسرائليون ربما يدخلون الى كردستان، مثلما يدخلون الدول العربية، لكن اتحدا ك أن تجدي اسرائلياً رسمياً واحداً في كردستان، وأنا لم التق في حياتي مع إسرائيلي واحد، لكن التقيت مع ياسر عرفات في منتصف الثمانينات في برلين الشرقية قبل سقوطها بأربعين يوما وكان محمود درويش حاضراً في الاجتماع ،ومحمود عثمان، طلبنا من ياسر عرفات التدخل وان يرى مع صدام أذا ما كان هناك طريقاً للحوار،قال عرفات بالحرف الواحد هذا متعجرف ومغرور جداً ومع ذلك سأحاول، وبالفعل ذهب إلى بغداد، وأرسل لنا رسالة قال فيها (كما قلت لكم في لقائنا الغرور هي اللغة السائدة). ثم بحدة تجاوزت الهمس قال عماد المفتي:" ليس لنا أصدقاء بين العرب، والأكراد بحاجة إلى أصدقاء، لم يبق لنا عند العرب سوى بعض الشعراء، سميح القاسم صديق الشعب الكردي، هناك قواسم مشتركة بين العرب والأكراد.
(6)
دعاني آغا إلى حفل لتسليم جائزة أفضل فندق وأفضل مطعم في كردستان. كان مكان الاحتفال، على بقعة ناصعة الاخضرار، لا يتناسب اخضرارها والجبال الرمادية المحيطة بها، وكأن الحشيش زرع على عجل لهذه المناسبة، انتشرت موائد مع كراسي بلاستيكية بيضاء، جلس حول الطاولات رجالٌ تتوسط وجوههم شوارب كثة، وصلت بين حافتي شفاههم.
على المنصة المرتفعة ، حجلن راقصات بفساتين فسفورية الخضار، أمام شباب تمنطقوا بزنانير رمادية، على سراويل(الرانكوسوار)، واعتمروا كفيات الفدائي الفلسطيني وفدائيي البشمرجة.
بعد التصفيق، زعق رجل في الميكرفون بالكردية، ثم فجأة زعق بالعربية:" كتب محمود درويش عن الطفل الفلسطيني في كردستان، وعن الطفل الكردي في فلسطين"....
وقفت منتصبة أبحث عن محمود درويش، بين الناس ، ثم على منحدرات الجبال، ثم بحثت على قمة جبل سفين، وبدأت اسمع كلمات لم افهمها لكن ترعد في صدري
هايلي فرمانه...هوار
ثم صوت بكاء و أنين يسكن الاحشاء
ويلولو ويلولو
ولول شفان على أوتار السهول المُقتلعة أشجارها وجبالها المُحترقة والموؤود اهلها
وشيء آخر
فرمالي هوار هوار هوار
وتركت كويا تتنهد ببيوتها المطلية بالطين
وهمست مستجدية :
جاني ..جاني
عاد صدى الصوت ليهوي امام هيبة سلطان
وصهلت الرياح على اوتار شفان.
تركت سارة نائمة وفي حضنها أطفال تلفعوا في الصمت
وآباء في انتظار.. على صخور كورك
وأمهات يشهقن في عويل مبحوح
وأشجار على سفر
وانهر تبحث عن الغرق
وبحر غير موجود
ومحمود درويش
ينادي عليه شيركو بيكاس: يا أخي!
أنا رفيقك "سميح"
ماذا دهاك؟
لم لا تنهض