خرج علينا المالكي بعد تسعة اشهر من الشد والجذب، ومن التهندس المتصارع على السلطة، بوزارة اقل ما يقال عنها بانها ولدت وهي مأزومة، ولا نبالغ اذا قلنا بانها ملخص رسمي لكل ازمة الحكم في العراق منذ احتلاله وحتى الان، فمع اقتراب استحقاقات الانسحاب العسكري الامريكي المعلن من العراق نهاية عام 2011، تتضاعف مهمات الحكومة التي سيستخلفها الامريكان، لان الانسحاب الامريكي يعني من زاوية اخرى فترة حصاد لما زرعه الاحتلال نفسه في العراق من بذور للتقسيم في كيانه ونسيجه الاجتماعي والاداري والسياسي والقانوني والاقتصادي والدبلوماسي والفكري، لقد ركز المحتل ومن معه على تفكيك الدولة العراقية واعادة تركيبها على اسس هشة تستبدل مقومات الهوية الوطنية بمقومات الطائفة والاثنية والمناطقية، لتكون قابلة للكسر عند الطلب.
حكومة المالكي الثانية لن تكون مختلفة عن سابقتها من حيث الافق والاداء، وهي بهذا المعنى لن تكون فاعلة استراتيجيا لانها ذاتها تحصيل حاصل لاستراتيجية سارية المفعول، واقصى ما يمكن ان تفعله هو ترحيل تنفيذ الاجندة التي استخلفها المحتل الامريكي، بمفخخات معرقنة دستوريا وجواريا وميدانيا، الى مستقبل الامر الواقع!
البصمة ذاتها، والمكتوب يقرأ من عنوانه، فما حصل اثناء الانتخابات البرلمانية الاخيرة ونتائجها وطرق التعامل معها قد اسقطت كل الضنون التي كانت تراود بعض الوطنيين العراقيين، عن امكانية المراهنة على التغيير الوطني المطلوب من خلال العمل في ذات القنوات التي اقامها المحتل ومن جاء معه، لقد اسقطت التسعة اشهر الماضية كل اقنعة ما يسمى بالعملية السياسية الجارية في العراق وكشفت بما لا يدع مجالا للشك عن عمق ازمتها المتصاعدة، كونها عملية اغتراب سياسي بمؤثرات وحث خارجي له خارطة طريق تسعى لاعادة رسم الجغرافية السياسية ليس للعراق وحده وانما للشرق الاوسط برمته، وذلك لاقامة كيانات جديدة مشغولة ببعضها، كهدف نهائي لتلك الخارطة التأمرية.
ليس بالضرورة ان كل وزراء حكومة المالكي السابقة واللاحقة هم من اللصوص ومزوري الشهادات، لكنهم وبالضرورة ومن دون استثناء، جميعا من المنخرطين والمسوقين للمحاصصة الطائفية والاثنية والمناطقية السائدة في الجسد العراقي منذ احتلاله وحتى الان، ولولا ذلك لما ترشحوا لتلك المناصب اصلا، ومن دون مؤهلات مهنية او وطنية.
وزارة المالكي الجديدة لا تختلف من حيث الشكل والمضمون عن وزارته المنتهية ولايتها، فبرنامجها المعلن والذي تضمن مايزيد عن الاربعين فقرة، والذي كان عبارة عن انشاء اجتراري لما سبق وان تردد على لسانه منذ 2006، يمثل طبيعة هكذا نوع من الحكومات المتكسبة والمترهلة والمتهافته على تجديد ولايتها مع بعض التغييرات بالاسماء المحروقة.
نعم هناك بعض الاختلافات غير الجوهرية بين التشكيل الحكومي الجديد والقديم، كزيادة عدد وزراء الدولة الى عشرة، وزيادة عدد نواب رئيس الوزراء من اثنان الى ثلاثة، وتقنين في عدد الوجوه النسوية فيها، وقلة عدد المتخصصين، لكن حتى هذه الاختلافات غير الجوهرية، تعكس حالة من الانهماك لدى القوى المتنفذة في البقاء بالسلطة وان كان الثمن التخلي عن بعض رتوش الزينة التي كانوا يستعملونها لتجميل حالة القبح السائدة بفسادها وتبعيتها ولا وطنيتها ناهيك عن لا ديمقراطيتها.
لقد زادوا عدد اعضاء البرلمان من 275 الى 325 وزادوا عدد الوزراء من 32 الى 41 وزادوا عدد نواب رئيس الوزراء والجمهورية، ومازالت المطالبات بزيادة الحصص متواصلة، حتى ان المالكي نفسه قد اشتكى في خطبته امام البرلمان من تفاقم الحالة، رغم انه يعرف اكثر من غيره بان انشغال كل حزب بحصته من الوزارات سيجعله الحاكم الفعلي لمفاصل السلطة فالامن والجيش والاستخبارات هي ضمانته وهو قد احتوى اغلبها طائفيا وماليا، هذا علاوة على انه قد اوجد لنفسه مخرجا مسبقا لاي اخفاق تقع فيه حكومته لاحقا، وتجربته مع الحكومة السابقة خير شاهد، اتساع اعداد المستفيدين من المحاصصات لا يعني عمليا غير ارهاق الميزانية العامة وتضييق الخناق على مستحقات عامة الشعب، فزيادة اعداد النواب والوزراء والحمايات الخاصة هو في حقيقة الامر زيادة في الاستبداد المحاصصاتي ماليا واداريا وهذا الامر يتناقض جوهريا مع اي ادعاء ديمقراطي زائف.
بعد صدور قرار العفو الخاص من قبل المالكي عن كل المحكومين من المسؤولين بتهمة تزوير الشهادات ـ وزراء ونواب ومدراء عامين ـ واعفائهم من دفع ما تلقوه من رواتب ومخصصات اثناء فترة عملهم بشهاداتهم المزورة، يحق لنا ان نشبه فريق نوري المالكي الحكومي بفريق علي بابا والاربعين حرامي.