Sunday, January 9, 2011

شرارة النار الزرقاء قدحت في قلب عزيز: عادل سمارة

الانجاز الذي حلمنا به عقوداً يتحقق اليوم: الطلاق المطلق بين الشعبي والرسمي في الوطن العربي، الاصطفاف الطبقي، أي الطبقات الشعبية في ملحمة ضد الكمبرادور. حين تصل الطبقات الشعبية إلى هذه القناعة لا بد ان تخرج إلى الشوارع، وها هو يحصل. وبقدر ما يُلقوا على أدوات الأنظمة من الحجارة والأحذية بل أكثر من ذلك يرمون في وجوههم عبارات تكشف عار خيانتهم لأهلهم الجوعى والمقموعين. ولصالح من؟ لصالح أدوات الغرب الراسمالي الذي ينهش الأمة والوطن في كل شبر بل في كل رحم! بل ينهش الأمم كلها.

تأخذ الانتفاضات طريقها سواء قيدت بحركة قائمة من قبل أو تبلور لاحقا حركتها. وليس السؤال ما الأفضل، فالأفضل هو ما حصل. والأبواب مشرعة أمام اية حركة تندفع لتقف في صف الناس إن لم نقل أمامهم. فلماذا لا تنطلق الكوادر الحزبية الوسيطة لتزيح من الطريق القيادات التي شاخت أو خافت أو سمنت...الخ إن لم تبتعد هذه القيادات بنفسها فليكن عليها: "مكانك تُحمدي أو تستريحي".

لن تأت مؤشرات الوحدة عبر نهب الثروة والنفط والجنس والتخابر مع الأعداء، فهي لا بد تأتي عبر الفقر وعبر القمع وعبر مواجهة العمالة المفتوحة.

جادل كثيرون من الكتاب القطريين العرب بأن الدولة القطرية مدخلا إلى الوحدة. ويعجب المرء حين يكون المشهد بكل هذا الوضوح ماذا يرى هؤلاء فيه؟ لقد اعتمد البعض منهم على كيانات وقطريات الخليج، ولم يلاحظ أن هذه القطريات "مندمجة مع النظام الأميركي" أكثر مما هي متعاونة مع بعضها. ربما هالَ هؤلاء القمع فقرروا الكذب أو التعامي! ودأبت هذه الأنظمة على استدعاء الاستعمار وتسليمه الثروة والأرض والمقدسات. لقد راكمت هذه الدويلات اسلحة بالتريليونات، ولم تجرؤ على لمسها وأوكلت/تعاقدت ما يسمى "الدفاع" وهو (الدفاع عن الأنظمة) للعدو الرئيسي الولايات المتحدة. واعتبرت العراق عدواً وشاركت في تدميره، واليوم تعتبر إيران خطراً وتطالب بعراق يحميها ولا تتحد معه. وكان أن ذُبح العراق، وكان أن فُتح الطريق أمام البرنامج الإيراني للإقليم كله!

وإذا كان الجيش الأميركي وأدواته من الغرب قادراً على الاستباحة الطوعية للجزيرة كلها لدرء الخطر الإيراني، خطر بخطر! فمن الذي سيحمي هذه الكيانات من العمالة الأجنبية التي تصل في الإمارات وقطر إلى 80 بالمئة من السكان؟

عسكرياً رفضوا حماية العراق فذبحوه، وشغلاً رفضوا تشغيل العرب، فها هم العمال الأجانب يقاربون التحول إلى "أهل البلد"! ولو اقتصر التشغيل على قوة العمل من الوطن العربي لربما، على سبيل المثال، وجد أهل جنوب السودان شغلا يغنيهم عن تاييد انفصال مرتشي!

نظام الجزائر أخطر من النفطيات

وإذا كانت النفطيات محظية/وشقية بالمسألة السكانية، بمعنى أن قلة السكان تسمح برش بعض اقتصاد التساقط وشقية لأن 60 مليار دولار تذهب سنويا إلى بلدان العمالة الأجنبية، فإن الجزائر تختلف بمعنى أن السلطة هناك تتبع نهج النفطيات في سرقة الأموال والاحتفاظ بها لتكون سلطة الحزب هناك مالكة الأرض والناس. أهي أحزاب أم ملوك وإقطاعات!

فرغم الفساد وسرقات منذ خمسة عقود توفر لدى الجزائر 155 مليار دولار وتقوم السلطة برفع الدعم عن الاساسيات؟ فلمن ومن أجل ماذا تدخر السلطة هذه الأموال؟ (لمن ادخرت الصارم المصقولا؟؟؟ ـ أبو الطيِّب).

ليس المقصود توزيع المال على الناس، ولكن المقصود إقامة المشاريع التشغيلية والإنتاجية؟ لماذا تتحول دولة نفطية ودولة غاز إلى احتقان مالي؟ أين تُدخر هذه الأموال؟ أليست مجرد أرقام في بنوك المركز الراسمالي؟

كيف تثبت السلطة في الجزائر أن هذه الأموال لم يستخدمها بوش الأبيض وأوباما الأسود ولا خلاف ولا اختلاف ، في تلقيم المصارف التي أفلست أو تشارف الإفلاس؟ وهكذا، تنضم ثروة شعب الجزائر إلى ثروات عرب النفطيات تنضم إلى إنقاذ الطغمة البنكية في الولايات المتحدة والغرب الراسمالي بأجمعه. هذا هو تقسيم العمل الطبقي على صعيد عالمي : مراتبية طبقية رأسمالية تتربع عليها الطغم المالية والمصرفية والمضارباتية الغربية بشقيها العسكري والمدني، وتنبطح تحتها النخب الكمبرادورية وخاصة العربية مكتفية بما يتساقط عن موائد الغربيين التي هي موائد حملوها هم إليها كمن يزف حبيبته إلى سيده وبعد الاغتصاب... يكمل مهمته.

وحين ينزل الفقراء إلى الشوارع تكون هراوات ورصاص الحمقى والمضيعين والجهلة والمرتشين جاهزة لهم، وكلها حتى الهراوات، نعم حتى العصي مصنوعة في الغرب. وما على الجهلة والغوغاء عقليا والمدربين على القمع إلا الضرب.

تفكيك مفاصل الدولة القطرية[1]

تُجيب الدولة القطرية على صرخات الفقراء بالقتل والاعتقال. هذه حقيقة العلاقة: الركوع أو القتل. لذا، ليس إلا الانتفاضة، ليس إلا تفكيك مفاصل الدولة القطرية، استهداف شرطتها ودورياتها، سواء بـ "حرب غوار المدن" ألإنجيل الذي كتبه البرازيلي كارلوس مارجيللا و/أو استهداف كافة مواقع السلطة والمؤسسات الأجنبية المعادية ومنظمات الأنجزة بالحجارة وغيرها كي تنتشر قوات أمن الأنظمة في كل مكان ولكي تُرهق بدل ان كانت تأكل وتقبض وتسمُن من دماء الجياع لأن الجياع كانوا نياماً أو مقموعين. حين تتوزع قوات السلطة على مختلف الأماكن المستهدفة شعبياً تنحدر الروح المعنوية لأدوات القمع وترهق، وحينها تتدفق الجماهير إلى الشوراع لتوجه قوات متدنية المعنوية لتُرغم على التفكير في ما تفعل. لقد استقطبت انتفاضات وثورات شعبية كثيرة الجنود إبان الاشتباكات في الشوراع.

اليوم فقط تحدث حاكم تونس عن "الفوضى" لم يسمع بالفوضى "المدمرة" التي نبحت بها كونداليزا رايس! هذه هي الفوضى الثورية ايها السيد! لذا، لم تبُح بكلمة حين كان لبنان على المذبح، وفلسطين ابداً في المذبح، وتتفوه الآن!!

هذه الهبة وحدها التي تعيد لُحمة المجتمع باطيافه التي هي ميزة حولتموها إلى تناقض يتذابح! لا مساواة سوى المساواة بين ولصالح وبأيدي الفقراء الانتفاضة الشعبية والتنمية بالحماية الشعبية وصولا إلى الاشتراكية. لا شيء غير هذا، وبهذا بالضبط تتقطع السبل بالنخب المرتبطة،دعاة الإثننيات والشوفينية والمذهبية والطائفية والصهينة بمن فيهم المرتبطين والمتعاقدين العرب بالطبع، نعم والصهينة ايضاً. لا يقلب الطاولة سوى حراك الجماهير، وهو الحراك الذي حين يحصل في تونس أو وهران ترتعد منه تل ابيب أكثر من سلطات هاتين القطريتين.

طوبى لمن استشهد، وطوبى لمن يصر على تفكيك مفاصل الدولة القطرية على طريق الاستشهاد والتغيير الثوري والوحدوي والاشتراكي لا محالة.


[1] للاطلاع على هذه المسألة أنظر: في القطرية والقومية والاشتراكية: مقدمات في تفكيك الدولة القطرية، من ص 102-141، عادل سمارة، منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية، رام الله 2009.