Sunday, January 30, 2011

هل جاء الفرج؟ جاء جاء الفرج..: د . مخلص الصيادي

يومثورة الشعب المصري، ثورة الخامس والعشرين من يناير رفعت شعارا موحدا يطالب برحيل النظام، ورحيل رجالاته، وسياساته.
الشعب المصري منذ انطلاق ثورته، استعاد امساك زمام الأمر بيده، دفع وما زال من دماء أبنائه، الشهداء والمصابين، واثبت من خلال تطور الأحداث وضوحا في الرؤية والهدف يثير الاعجاب ، ويؤكد أن هذه الثورة ـ التي شارك فيها جميع أفراد الشعب، وجميع قواه السياسية والاجتماعية، وجميع تشكيلاته وتجمعاته المدنية ـ ليست تحركا عفويا، وليس تحركا دون قيادات فعلية تحافظ على هذه الرؤية، وتصد محاولات الالتفاف على هذه الثورة، والالتفاف على تحركاتها وقواها.
الشعب المصري في ثورته متنبه لهذه المحاولات التي اتخذت حتى الآن ثلاثة محاور رئيسية :
1ـ تحركات النظام المهترئ التي تمثلت في خطاب مبارك وما لحقه من تغيير الوزارة، وتعيين نائبا له، وبدء تغيير بعض الوجوه في النظام الحاكم،وهذه كلها تؤشر الى أن حكم الناس على نظام مبارك كان صائبا الى اقصى حد، فهذا النظام لم يستطع أن يتصور علاجا للوضع الا بمثل هذه التحركات الخائبة، وقد ردت جموع المحتجين بهتافات جعلت مبارك ونائبه عمر سليمان، ورئيس وزرائه المكلف أحمد شفيق، في سلة واحدة، فالجميع أوجه متعددة للنظام الفاسد المستبد الخانع نفسه.
2ـ تحركات النظام وجهوده الحثيثة، في محاولات تشويه هذه الثورة الشعبية بغياب جهاز الشرطة عن واجب حفظ الأمن العام، واطلاق سراح المجرمين والعصابات من السجون للقيام بعمليات نهب وسلب، بهدف ايقاع الهلع في قلوب الناس ودفعهم لطلب عودة الأمن للإمساك بالوضع كله، وساعد في هذا التحرك المشبوه عدد من النظم العربية التي اعلنت وقوفها الى جانب مبارك ونظامه بدعوى وقف عمليات السلب والنهب، والسيطرة على هذه الفوضى، وقامت عدد من أجهزة الاعلام والفضائيات العربية بالتركيز على هذه التجاوزات والجرائم وبتصوير الأمر وكأنه مقدمات لما حدث في العراق حينما تم احتلاله من قبل القوات الأمريكية، حينما قامت العصابات بتدمير مراكز الدولة ونهب المتحف الوطني في بغداد.
3ـ محاولة النظام وضع الجيش المصري في مواجهة الشعب وتحركاته، وذلك من خلال انزال الجيش الى الشوارع، وفرض حظر التجول ليتولى الجيش تنفيذ هذا الاجراء، ولعل من دواعي اختيار رئيس المخابرات، وقائد الطيران السابق أحمد شفيق رئيسا للوزراء أن يضمن ولاء الجيش ويجعله في مواجهة الشعب وتحركاته.
ولقد رد الشعب على هذه المحاولات ردا واضحا حاسما واعيا:
** لا بديل عن رحيل نظام مبارك بأكمله، ويجب محاكمة الرئيس والنظام،واستعادة الثروات التي سرقوها، وفي اطار هذا الشعار صار مطلوبا القبض على قادة أجهزة الشرطة والأمن الذين عاثوا فسادا في مصر واذلوا الشعب المصري، وكانوا ذراع النظام في كل جرائمه، وفتحوا النار على المتظاهرين في محاولة لقمع ثورته، وإعادة النظر في طبيعة هذه الأجهزة وبنيتها، بما في ذلك الأمن المركزي، لقد رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، واصبح واضحا أن المسالة ليست فقرا وبطالة، وغلاء اسعار، وفاسدين هنا وهناك،فحسب، وإنما نظام برموزه، ورئيسه، وسياساته، وحلفائه، يجب ان يُكنس، مره واحدة والى النهاية،
** التوكيد على أن الشعب والجيش يد واحدة، فالثقة في الجيش ثقة نابعة من الوظيفة الأساسية لهذا الجيش وهي حماية الوطن وأمنه، وحماية الشعب وارادته واختياراته الحرة، والحفاظ على مؤسسات الوطن الدستورية والتشريعية، وعملها، وهي الوظيفة التي جسدها هذا الجيش منذ انطلاق ثورة يوليو، بل كانت هذه الوظيفة هي المبرر الحقيقي لانطلاق هذه الثورة, كذلك فإن جموع الشعب تدرك كم كان عبء هذا النظام ثقيلا ومهينا لجيش مصرالعظيم ، بعد أن تحول بفعله ليكون تابعا لاحتياجات النظام الأمنيه، وليصبح تسليحه وتعداده وأهميته وميزانيته، تأتي بمرتبة لاحقة لأهمية وتسليح وميزانية قوى الأمن وتشكيلاتها، من شرطة وأمن مركزي، ومباحث، وتشكيلات مكافحة الارهاب ... الخ. ولتصبح وظيفة الجيش الأساسية المساهمة في تنفيذ ساسات النظام المشبوه داخل مصر وخارجها، بعد أن جرى حرف وتشويه عقيدة الجيش القتالية، وجعلها تتوافق مع استهدافات الحلف الأمريكي الاسرائيلي.
ولأجل ذلك كان مشهدا ينم عن وعي مشهود له حينما رحبت الجماهير بنزول الجيش، والتحمت معه، واحتضنته، ومع ذلك بقيت متمسكة بتحركها وبمطالبها في تغيير النظام وسقوطه، فمثل هذا الهدف لايحتمل إسناده لهذا الطرف أو ذاك، وإنما يجب أن يكون دائما وحتى انجاز النصر التام بيد الشعب وجماهيره، وعلى الجميع بما في ذلك الجيش أن ينضم لهذه الارادة وأن يلتحم بها ويتبناها وصولا الى تحقيقها.
الثورة الشعبية في مصر التي استلهمت نموذج ثورة تونس الشعبية الباسلة، مشوارها طويل، والتضحيات لوصولها لأهدافها ما زالت في البداية، لكن الأمل كبير في هذا الشعب، وفي هذا الجيل الثائر، وفي القيادات التي تنسق كل ذلك وتحافظ على الاندفاعة نفسها، وتحذر كل محاولات الحرف والتضييق والاجهاض.
ولأن هذه الثورة في مصر، رافعة الأمة العربية، وقائدتها، فإن حمل الجماهير الثائرة ثقيل، حمل يمتد من رغيف الخبز، وفرص العمل، الى التخلص من ربقة الخضوع للإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، والقيام بأعباء الدور القومي والوطني لمصر تجاه نفسها وتجاه فلسطين وتجاه أمتها العربية،
نحن هنا ـ وأقصد الناصريين والقوميين في الوطن العربي، وكل من يحب مصر وينتمي اليها ـ لانريد أن نحمل الثورة الشعبية في أرض الكنانة، عبئا فوق ما تحمله، ولا نتطلع الى أكثر من أن تتمسك هذه الثورة بالشعار الذي ترفعه، وهو اسقاط هذا النظام وكنسه تماما، وتصر على توليد اليات قانونية، ومؤسسات اجتماعية، تسمح دائما للإرادة الشعبية بأن تكون هي صاحبة القرار، وهي القادرة على التغيير في كل حين، وتمنع ولادة نظام مستبد تحت اي شعار وخلف اي مبرر. وما من سبيل الى ذلك الا ديموقراطية لاتشوبها شائبة، واضحة المعالم والحدود، تحقق حرية الارادة السياسية وتوفر للشعب ان يختار القوى والبرامج التي تحقق له التنمية، والعدل، والأمن، والكرامة، داخليا، والمنعة والقوة والسلام الحقيقي خارجيا، وحين يتحقق ذلك تكون الثورة قد وصلت الى أهدافها وحققت مبتغاها، وأعادت صناعة القرار الى الشعب وحده وإرادته المستقلة.
وإن ما نشاهده أمام أعيننا يجعلنا نؤمن ايمانا حقيقيا بأن هذه الجموع الشعبية باتت في حركتها وشعاراتها تتطلع الى هذا الهدف وتصر عليه، وهي مستعدة لدفع ثمن ذلك.
الشارقة