إنكم يا شـــباب مصر قد قمتم بعمل رائع لم يسبق، وقد لا يلحق، وفاق كل ما حدث فى مصر، فبأى توفيق من الله، وإصرار وتجرد وإخلاص منكم أمكن أن يحتشد الملايين من الشباب دون قيادة معينة، ودون خطة سابقة، ثم ترزقون صمودًا ظل خمسة عشر يومًا متصلة وأنتم تحتلون فيه ميدان التحرير، الذى جعلتموه قاعدة لأعمالكم، بينما كان إخوانكم فى الإسكندرية والسويس ومختلف المحافظات يقومون بما قمتم به فى القاهرة، أقول لكم كباحث فى تاريخ الثورات: أوجدتم الحل لإحدى معضلات «فلسفة الثورة»، فقد تصور كل القادة السياسيين، وكل المفكرين والمؤرخين أن الثورة لا يمكن أن تحدث إلا على يد قلة مؤمنة منتظمة، تتدرب طويلاً من قيادة نابغة حتى يمكن أن تحرك الجماهير وتقودها، وقد كان على هذا الأساس أن قامت الثورة الاشتراكية سنة ١٩١٧م فى روسيا، وأن وضع المفكرون الإسلاميون مثل سيد قطب، الصورة الإسلامية للطابع الاشتراكي.
وكان الصوت الوحيد الذى خالف ذلك، وقال إن الجماهير لا تحتاج إلى معلم، وإن الشعب يمكن أن يتحرك تلقائيًا، ويمكن أن يقود الثورة بإيمان جماعى تلقائى دون حاجة إلى قائد عسكرى.. أو قس.. أو شيخ، كان هذا هو صوت المفكرة الماركسية الألمانية روزا لوكسمبرج، فى عشيرينيات القرن الماضى.
لكن هذا التصور لم يمكن أن يظهر، بل إن روزا لوكسمبرج نفسها فشلت هى وحزبها سبارتاكوس فى تحقيق ذلك عند قيام جمهورية فايمار ودفعت حياتها فى سبيله، والآن.. جئتم أنتم من دون العالم أجمع لتثبتوا إمكان ذلك، فتلاحمت جموعكم دون تدبير سابق ودون قيادة معينة، وأثبتم نجاح التجربة عندما ثبتم فى مواقعكم خمس عشرة ليلة، وكان عددكم يزداد وحماسكم يتوقد، فهنيئاً لكم يا شباب مصر هذا السبق، وهذا الإنجاز الذى سيسجله تاريخ الثورات لكم، ولا يخالجنى شك فى أنكم ستنجحون فى النهاية وتكتسبون لمصر ثورتها الباهرة.
أريد أن أقول لكم: إنكم عندما أصررتم على «الرحيل أولاً» كنتم تستلهمون فطرة سليمة تهدى إلى الصواب، وتستبعد الانحراف أو الميل أو الهوى، لأن تجربة التاريخ أن الطغاة لا يتعلمون ولا يرجعون طواعية، لكن يجبرون جبرًا، وأن أى دعوة للبقاء للإصلاح هى دعوى كاذبة يراد بها تمييع الحركة وتفريقها، وأنا والله مندهش أمام هذا النقاش الأكاديمى البيزنطى عن الدستور والشرعية، فكل الدساتير تقون إن الأمة هى مصدر السلطات، وإنه إذا الشعب يومًا أراد، فلابد من النزول على إرادته، فالشرعية الحقيقية هى شرعية الشعب، ولم تقم فى مصر الحديثة حتى الآن تجربة حكم على هذا الأساس بصورة كاملة، ففى سنة ١٨٠٥م، خلع شيوخ الأزهر والسيد عمر مكرم الوالى الذى ولاّه الخليفة وقلدوا محمد على الحكم على أساس أن يحكم بالعدل وإلا عزلوه، وكانت تلك هى أقصى ما وصل إليه شعب مصر، وإن لم تتم على يدى الشعب نفسه، ولكن على يدى قادته.
وعندما قام الانقلاب الناصرى كان فى مصر هيئتان لهما الشرعية الشعبية، هما الوفد الذى تكوَّن سنة ١٩١٩م و«الإخوان المسلمين» التى تكونت سنة ١٩٢٨م، وقد كان أول شىء قام به الانقلاب أن عصف بهما، وأن حل دستور ١٩٢٣م الذى أوجد الحقبة الليبرالية بكل أمجادها وإنجازها فى تاريخ مصر، وكلف مجموعة مختارة من مفكرى الشعب فى وضع دستور، ووضعوا الدستور سنة ١٩٥٤م، وكان دستورًا ديمقراطيًا يحقق الحرية ومسؤولية الحاكم أمام شعبه، لكن ضباط القيادة دفعوا به إلى صندوق الزبالة، حتى أعاد اكتشافه الأستاذ صلاح عيسى، ولعله هو الذى أعطاه هذا الاسم، ووضعوا دساتير هى «عِرَّة» الدساتير، لأنها تضع السلطات كلها فى يد رئيس الجمهورية، وقد كان آخرها دستور سنة ١٩٧١م.
وهناك لفتة لم تجذب انتباه المؤرخين، فعندما قرر ضباط القيادة التخلص من الملك فاروق، كلفوا أحد أقطاب القانون بكتابة صيغة التنازل، ووضع هذا الصيغة التى كانت تذكر الأسباب التى أدت إلى أن يتنازل عن العرش لابنه الطفل فؤاد.
لكن هذه الصيغة لم تعجب أحد ضباط القيادة، وأصر على أن يضاف إليها «ونزولاً على إرادة الشعب» وكتبها فاروق ويده ترتعش.
هذه اللفتة تنم عن الفطرة السليمة لضباط ٢٣ يوليو قبل أن تفسدهم السلطة، إذ لم يكن قد مر عليهم سوى ثلاثة أيام.
إذا عبر الشعب عن إرادته وعندما يجتمع ستة ملايين فى عاصمة مصر ومدنها، فهذا هو أصدق تجمع وأشمل تمثيل لشعب مصر، وقد قال هؤلاء جميعًا وبالإصرار: «لابد من رحيل مبارك».
أصبحت الشرعية هى فى هذه الكلمة لأنها إرادة الشعب.
وكان يجب على مبارك أن ينصاع وأن يحمد الله على أن الشعب أتاح له انتقالاً آمناً، وكان يمكن أن يطالب بمحاكمته، لأنه هو المسؤول عن كل الكوارث التى حاقت بالبلاد، لقد تدهورت البلاد وأصبحت السياسة ممارسة للنهب والسلب.. نهب الأراضى بآلاف الأفدنة وبيعها بالمتر، وقام بالجزء الأعظم من هذه الأعمال وزيره محمد إبراهيم سليمان، وظهر أن رئيس الوزراء «المعجبانى» الذى يدير الدولة من القرية الذكية متورط وله ثلاث فيلات، وأن وزير الإسكان لم ينس أبناءه القُصّر فجعلهم يكتبون إليه ليخصص لكل منهم ألف متر، وكافأت الدولة وزير الأراضى هذا بقلادة النيل، وعندما قدم ٤٠ نائبًا شكوى للنيابة العامة حققت معه، لكن القضية نامت ثم ماتت، وتأكد ما قاله وزير الإسكان من أنه لا يمكن أن يحكم عليه، لأن الحكم عليه هو الحكم على النظام.
أما أموال وزراء الصحة والسياسة وأموال عز، فقد أوردت الصحف الأرقام «المهولة».
كل هذا و٤٠% من الشعب يعيش فى عشوائيات، وفى مقابر ليس لها صرف صحى ولا كهرباء ولا ماء، وانهار التعليم وانهارت الصحة وانهارت الخدمات، لأنها لم تقم على أساس الخدمة، ولم تخصص لها النسبة الواجبة من ميزانية الدولة، فلم يكن فيها ما يسمح بالتجديد، بل ما يسمح بإعطاء رواتب كافية للعاملين فيها.
ويتحدثون عن الشرعية، ولم يضيق حاكم على القضاة -حماة الشرعية مثل ما فعل مبارك، وسلط عليهم وزارة العدل بمختلف المضايقات حتى اضطروا للإضراب، لأن يظهروا بأوشحتهم أمام العالم، واستخدمت النيابة العامة التى تتبع وزارة العدل نفوذها فى تأجيل القضايا ضد القائمين على الفساد، وإذا صدرت أحكام فلا تنفذ.
الرئيس فى الإسلام وفى الديمقراطية خادم للشعب يعمل لمصلحته وينال راتبه وسلطاته لهذا، فإذا أحسن فقد قام بالواجب «ولا شكر على واجب»، وإذا أساء فلابد من محاكمته تطبيقاً لمبدأ عموم القانون ولمبدأ: «لو أن فاطمة سرقت لقطع محمد يدها».
وقد كان المسلم التقىّ يمر على معاوية فيقول له: «السلام عليك أيها الأجير»، فإذا قالوا له قل الأمير، قال «بل الأجير».
وفى فتنة عثمان، عندما ثارت عليه مجموعة من المسلمين، رفض أن يرسل معاوية جيشاً للدفاع عنه، بل إن الصحابة أنفسهم لم يروا من واجبهم أن يدافعوا عنه، لأن محنته إنما حدثت لأنه لم يسر على سُـنة الشيخين، كما تعهد بذلك.
وفى بريطانيا فى الحرب العالمية الثانية، عندما سلط هتلر صواريخه وطائراته على لندن لتدك بيوتها بيتاً بيتاً، قاد تشرشل الحرب بقوة وكسب محالفة الولايات المتحدة وانتصر أخيرًا، ولكن الشعب البريطانى الذى كان يقدر بطولته وقيادته خذله فى الانتخابات العامة سنة ١٩٤٥م وأيد حزب العمال، لأن تشرشل كان بطل الحرب وقد كسبها، والآن جاء السلام وحزب العمال هو حزب السلام.
وفى الولايات المتحدة.. فإن رئيسًا أسبق هو نيكسون أخطأ فسمح لأعوانه بالتجسس على الحزب المعارض، فلم يغفر له الشعب هذه النقيصة وأجبره على الاستقالة وإلا تعرض لمحاكمة الكونجرس.
فهذه هى سياسة الشعوب القوية مع حكامها، لا ترى لهم فضلاً عليها وإنما ترى الفضل للعمل، فمن أحسن أيدوه ومن أساء قوموه، ولو أنه ظل طول حياته ينتهج سياسة سليمة، ثم أخطأ فإن استقامته القديمة لا تبرر له الخطأ، وإنما بالأكثر تخفف من عقوبته، أما الذين يرون فى الحاكم أبًا حنوناً ويرجونه ألا يتركهم فهم أطفال صغار لهم لحى كبيرة.
فهل هو الغباء أو العداء الذى يجعل فريقاً كبيرًا يخلط ما بين الدولة أو الوطن من ناحية وبين الحاكم من ناحية أخرى، إن الدولة والوطن رمــز، والرمز لا يتغير، أما الحاكم فهو ممارسة، والممارسـة تخطئ وتصيب، وإعفاء الحاكم من المساءلة أو إضفاء كرامة من كرامـة الدولة عليه لا يجوز.
أما آن لهم أن يعلموا أن الجمهورية الأولى قد انتهت يوم ٢٥ يناير سنة ٢٠١١م.. وأن جمهورية ثانية تتمخض عنها الأحداث.. جمهورية تستفيد من كل أخطاء الجمهورية الأولى. لا يخلو من الدلالة أن الشعب اختار يوم ٢٥ يناير عيد الشرطة ليقوم بثورته على الشرطة ورموزها، وليجعله يوم الحرية وبداية للجمهورية الثانية.
كلمات أخرى.. أسوقها إلى الأبناء الأعزاء شباب مصر وأملها فى المستقبل، لا حديث عن رئاسة الجمهورية الآن بالنسبة للبرادعى أو عمرو موسى أو أحمد زويل أو غيره.. الحديث كله يجب أن يكون على رحيل مبارك ووضع دستور جديد يحقق الحريات.
كلمة ثانية للإخوان: لقد أحسنتم أخيرًا عندما انضممتم إلى بقية الشعب وقد أكسب انضمامكم الثورة زخمًا وصلابة، فلا تغتروا، فأنتم جزء من الشعب، وجزء من المسلمين، والشعب والمسلمون أكبر منكم، فسيروا مع الشعب واجعلوا هدفكم دستورًا يحقق الحريات، وفى ظل هذه الحريات لكم أن تدعوا إلى ما تشاءون بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمكنكم أن تحققوا ما تريدون إذا أقنعتم الشعب، وهذا هو الإسلام، وهذا هو ما أراده حسن البنا للإخوان، فحذار.. وحذار أن تُؤتَى هذه الثورة من قِبَلكم، أو أن تحاولوا المساومة عليها.
وكان الصوت الوحيد الذى خالف ذلك، وقال إن الجماهير لا تحتاج إلى معلم، وإن الشعب يمكن أن يتحرك تلقائيًا، ويمكن أن يقود الثورة بإيمان جماعى تلقائى دون حاجة إلى قائد عسكرى.. أو قس.. أو شيخ، كان هذا هو صوت المفكرة الماركسية الألمانية روزا لوكسمبرج، فى عشيرينيات القرن الماضى.
لكن هذا التصور لم يمكن أن يظهر، بل إن روزا لوكسمبرج نفسها فشلت هى وحزبها سبارتاكوس فى تحقيق ذلك عند قيام جمهورية فايمار ودفعت حياتها فى سبيله، والآن.. جئتم أنتم من دون العالم أجمع لتثبتوا إمكان ذلك، فتلاحمت جموعكم دون تدبير سابق ودون قيادة معينة، وأثبتم نجاح التجربة عندما ثبتم فى مواقعكم خمس عشرة ليلة، وكان عددكم يزداد وحماسكم يتوقد، فهنيئاً لكم يا شباب مصر هذا السبق، وهذا الإنجاز الذى سيسجله تاريخ الثورات لكم، ولا يخالجنى شك فى أنكم ستنجحون فى النهاية وتكتسبون لمصر ثورتها الباهرة.
أريد أن أقول لكم: إنكم عندما أصررتم على «الرحيل أولاً» كنتم تستلهمون فطرة سليمة تهدى إلى الصواب، وتستبعد الانحراف أو الميل أو الهوى، لأن تجربة التاريخ أن الطغاة لا يتعلمون ولا يرجعون طواعية، لكن يجبرون جبرًا، وأن أى دعوة للبقاء للإصلاح هى دعوى كاذبة يراد بها تمييع الحركة وتفريقها، وأنا والله مندهش أمام هذا النقاش الأكاديمى البيزنطى عن الدستور والشرعية، فكل الدساتير تقون إن الأمة هى مصدر السلطات، وإنه إذا الشعب يومًا أراد، فلابد من النزول على إرادته، فالشرعية الحقيقية هى شرعية الشعب، ولم تقم فى مصر الحديثة حتى الآن تجربة حكم على هذا الأساس بصورة كاملة، ففى سنة ١٨٠٥م، خلع شيوخ الأزهر والسيد عمر مكرم الوالى الذى ولاّه الخليفة وقلدوا محمد على الحكم على أساس أن يحكم بالعدل وإلا عزلوه، وكانت تلك هى أقصى ما وصل إليه شعب مصر، وإن لم تتم على يدى الشعب نفسه، ولكن على يدى قادته.
وعندما قام الانقلاب الناصرى كان فى مصر هيئتان لهما الشرعية الشعبية، هما الوفد الذى تكوَّن سنة ١٩١٩م و«الإخوان المسلمين» التى تكونت سنة ١٩٢٨م، وقد كان أول شىء قام به الانقلاب أن عصف بهما، وأن حل دستور ١٩٢٣م الذى أوجد الحقبة الليبرالية بكل أمجادها وإنجازها فى تاريخ مصر، وكلف مجموعة مختارة من مفكرى الشعب فى وضع دستور، ووضعوا الدستور سنة ١٩٥٤م، وكان دستورًا ديمقراطيًا يحقق الحرية ومسؤولية الحاكم أمام شعبه، لكن ضباط القيادة دفعوا به إلى صندوق الزبالة، حتى أعاد اكتشافه الأستاذ صلاح عيسى، ولعله هو الذى أعطاه هذا الاسم، ووضعوا دساتير هى «عِرَّة» الدساتير، لأنها تضع السلطات كلها فى يد رئيس الجمهورية، وقد كان آخرها دستور سنة ١٩٧١م.
وهناك لفتة لم تجذب انتباه المؤرخين، فعندما قرر ضباط القيادة التخلص من الملك فاروق، كلفوا أحد أقطاب القانون بكتابة صيغة التنازل، ووضع هذا الصيغة التى كانت تذكر الأسباب التى أدت إلى أن يتنازل عن العرش لابنه الطفل فؤاد.
لكن هذه الصيغة لم تعجب أحد ضباط القيادة، وأصر على أن يضاف إليها «ونزولاً على إرادة الشعب» وكتبها فاروق ويده ترتعش.
هذه اللفتة تنم عن الفطرة السليمة لضباط ٢٣ يوليو قبل أن تفسدهم السلطة، إذ لم يكن قد مر عليهم سوى ثلاثة أيام.
إذا عبر الشعب عن إرادته وعندما يجتمع ستة ملايين فى عاصمة مصر ومدنها، فهذا هو أصدق تجمع وأشمل تمثيل لشعب مصر، وقد قال هؤلاء جميعًا وبالإصرار: «لابد من رحيل مبارك».
أصبحت الشرعية هى فى هذه الكلمة لأنها إرادة الشعب.
وكان يجب على مبارك أن ينصاع وأن يحمد الله على أن الشعب أتاح له انتقالاً آمناً، وكان يمكن أن يطالب بمحاكمته، لأنه هو المسؤول عن كل الكوارث التى حاقت بالبلاد، لقد تدهورت البلاد وأصبحت السياسة ممارسة للنهب والسلب.. نهب الأراضى بآلاف الأفدنة وبيعها بالمتر، وقام بالجزء الأعظم من هذه الأعمال وزيره محمد إبراهيم سليمان، وظهر أن رئيس الوزراء «المعجبانى» الذى يدير الدولة من القرية الذكية متورط وله ثلاث فيلات، وأن وزير الإسكان لم ينس أبناءه القُصّر فجعلهم يكتبون إليه ليخصص لكل منهم ألف متر، وكافأت الدولة وزير الأراضى هذا بقلادة النيل، وعندما قدم ٤٠ نائبًا شكوى للنيابة العامة حققت معه، لكن القضية نامت ثم ماتت، وتأكد ما قاله وزير الإسكان من أنه لا يمكن أن يحكم عليه، لأن الحكم عليه هو الحكم على النظام.
أما أموال وزراء الصحة والسياسة وأموال عز، فقد أوردت الصحف الأرقام «المهولة».
كل هذا و٤٠% من الشعب يعيش فى عشوائيات، وفى مقابر ليس لها صرف صحى ولا كهرباء ولا ماء، وانهار التعليم وانهارت الصحة وانهارت الخدمات، لأنها لم تقم على أساس الخدمة، ولم تخصص لها النسبة الواجبة من ميزانية الدولة، فلم يكن فيها ما يسمح بالتجديد، بل ما يسمح بإعطاء رواتب كافية للعاملين فيها.
ويتحدثون عن الشرعية، ولم يضيق حاكم على القضاة -حماة الشرعية مثل ما فعل مبارك، وسلط عليهم وزارة العدل بمختلف المضايقات حتى اضطروا للإضراب، لأن يظهروا بأوشحتهم أمام العالم، واستخدمت النيابة العامة التى تتبع وزارة العدل نفوذها فى تأجيل القضايا ضد القائمين على الفساد، وإذا صدرت أحكام فلا تنفذ.
الرئيس فى الإسلام وفى الديمقراطية خادم للشعب يعمل لمصلحته وينال راتبه وسلطاته لهذا، فإذا أحسن فقد قام بالواجب «ولا شكر على واجب»، وإذا أساء فلابد من محاكمته تطبيقاً لمبدأ عموم القانون ولمبدأ: «لو أن فاطمة سرقت لقطع محمد يدها».
وقد كان المسلم التقىّ يمر على معاوية فيقول له: «السلام عليك أيها الأجير»، فإذا قالوا له قل الأمير، قال «بل الأجير».
وفى فتنة عثمان، عندما ثارت عليه مجموعة من المسلمين، رفض أن يرسل معاوية جيشاً للدفاع عنه، بل إن الصحابة أنفسهم لم يروا من واجبهم أن يدافعوا عنه، لأن محنته إنما حدثت لأنه لم يسر على سُـنة الشيخين، كما تعهد بذلك.
وفى بريطانيا فى الحرب العالمية الثانية، عندما سلط هتلر صواريخه وطائراته على لندن لتدك بيوتها بيتاً بيتاً، قاد تشرشل الحرب بقوة وكسب محالفة الولايات المتحدة وانتصر أخيرًا، ولكن الشعب البريطانى الذى كان يقدر بطولته وقيادته خذله فى الانتخابات العامة سنة ١٩٤٥م وأيد حزب العمال، لأن تشرشل كان بطل الحرب وقد كسبها، والآن جاء السلام وحزب العمال هو حزب السلام.
وفى الولايات المتحدة.. فإن رئيسًا أسبق هو نيكسون أخطأ فسمح لأعوانه بالتجسس على الحزب المعارض، فلم يغفر له الشعب هذه النقيصة وأجبره على الاستقالة وإلا تعرض لمحاكمة الكونجرس.
فهذه هى سياسة الشعوب القوية مع حكامها، لا ترى لهم فضلاً عليها وإنما ترى الفضل للعمل، فمن أحسن أيدوه ومن أساء قوموه، ولو أنه ظل طول حياته ينتهج سياسة سليمة، ثم أخطأ فإن استقامته القديمة لا تبرر له الخطأ، وإنما بالأكثر تخفف من عقوبته، أما الذين يرون فى الحاكم أبًا حنوناً ويرجونه ألا يتركهم فهم أطفال صغار لهم لحى كبيرة.
فهل هو الغباء أو العداء الذى يجعل فريقاً كبيرًا يخلط ما بين الدولة أو الوطن من ناحية وبين الحاكم من ناحية أخرى، إن الدولة والوطن رمــز، والرمز لا يتغير، أما الحاكم فهو ممارسة، والممارسـة تخطئ وتصيب، وإعفاء الحاكم من المساءلة أو إضفاء كرامة من كرامـة الدولة عليه لا يجوز.
أما آن لهم أن يعلموا أن الجمهورية الأولى قد انتهت يوم ٢٥ يناير سنة ٢٠١١م.. وأن جمهورية ثانية تتمخض عنها الأحداث.. جمهورية تستفيد من كل أخطاء الجمهورية الأولى. لا يخلو من الدلالة أن الشعب اختار يوم ٢٥ يناير عيد الشرطة ليقوم بثورته على الشرطة ورموزها، وليجعله يوم الحرية وبداية للجمهورية الثانية.
كلمات أخرى.. أسوقها إلى الأبناء الأعزاء شباب مصر وأملها فى المستقبل، لا حديث عن رئاسة الجمهورية الآن بالنسبة للبرادعى أو عمرو موسى أو أحمد زويل أو غيره.. الحديث كله يجب أن يكون على رحيل مبارك ووضع دستور جديد يحقق الحريات.
كلمة ثانية للإخوان: لقد أحسنتم أخيرًا عندما انضممتم إلى بقية الشعب وقد أكسب انضمامكم الثورة زخمًا وصلابة، فلا تغتروا، فأنتم جزء من الشعب، وجزء من المسلمين، والشعب والمسلمون أكبر منكم، فسيروا مع الشعب واجعلوا هدفكم دستورًا يحقق الحريات، وفى ظل هذه الحريات لكم أن تدعوا إلى ما تشاءون بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمكنكم أن تحققوا ما تريدون إذا أقنعتم الشعب، وهذا هو الإسلام، وهذا هو ما أراده حسن البنا للإخوان، فحذار.. وحذار أن تُؤتَى هذه الثورة من قِبَلكم، أو أن تحاولوا المساومة عليها.