لم يكن في الحسبان ان تصل الاوضاع في عالم العرب، الى حدود إحياء الشارع بهذه القوة، وعلى حساب الحاكم الذي ينتقل طبيعياً، وعبر تراكم السنين من تيار الحاكم الى حزب الحاكم الى عائلة الحاكم، او الى الحاكم والسيدة عقيلته... لتطغى فكرة العائلة الحاكمة على النظام طالما اسقطت تلك الشعوب من حساباتها مفهوم ومضمون الدولة.
"ألشعب يريد اسقاط النظام"، هو الشعار الدافع للموجات البشرية على امتداد هذا الشرق الساكنة على ثورة، والمتوترة على كبت، والمستسلمة على عجز؛ هو الشعار الذي يمكّن الاجيال المتولدة حديثاً في افيائه، من مواجهة قادتها ولو من غير قائد، ومعاداة انظمتها ولو من دون بدائل، ورفض الامر الواقع لتراكم اسباب الرفض من فقر وعوز وامتصاص احتكاري لثروات هذا "الشعب الذي يريد" امام جشع لدى الزعماء لا يتوقف، ولا يشبع!
قاد الشباب العرب ثوراتهم لاسقاط النظام، بين مزدوجين، ومن دون البحث عن بديل، فلم نر في مصر او تونس او ليبيا او ما يحصل اليوم في سوريا، من يدعو الى "الشعب يريد ديموقراطية النظام، او الشعب يريد علمنة النظام، او الشعب يريد اسلمة النظام، او سوى ذلك"، بل شهدنا على شعب يريد إسقاط النظام وكفى. لم يطالب بإسقاط الدولة ولا بتغيير حدود، لكنه رفع صوته ليقول ما لا يريد:
لا يريد حكم الحزب الواحد على مساحات العالم العربي، ولا يريد حكم العائلة، ولا يريد ان يجوع لحساب احد، او يفقد القدرة على العمل والمسكن والحق في الحرية لحساب احد، اي احد.
لم يبحث هذا "الشعب" عن قائد، خشية ان يستبدل نفسه بمن سبقه، بل قاده التواصل الاجتماعي الالكتروني ليؤكد ويتأكد ان الاعلام سيد الحرية، وان هذا التواصل هو قائد الضعفاء الى التضامن والتجمهر في الساحات، لاسقاط الخوف ومملكة الخوف... فالنظام!
ثورات من دون قائد، ولا تبحث عن قائد، ثورات عابرة على انظمة خشبية بائدة، تجمعها ديكتاتورية العائلة، ولو فرقتها نوعية الديكتاتوريات، من تلك "الناعمة" معطوفة على حكم العائلة، الى ديكتاتوريات المال ومعطوفةً أيضاً على حكم العائلة، الى الديكتاتوريات الحديدية او الدينية كما ايران او ليبيا او سوريا، ودوماً، بحكم العائلة.