سليم مطر-جنيف
كانون الاول 2010
www.salim.mesopot.com
آن اوان النخب الثقافية والدينية والنقابية والسياسية لشعوب العالم العربي، ان تكسر هذا التكلس الجاثم على القضية الفلسطينية. إذ باتت معانات هذا الشعب روتينية عادية مكررة مثل فلم مشوه عتيق وممل وفاقد لكل قيمة. واقصى ما يمتلكه الانسان العربي، انه بين حين وآخر يشاهد على الفضائيات مقاطعا من هذه المآسات، فيصرخ وهو يلعب الدومنة او يتناول الدولمة: (( يا ناس يا عالم وين حكامنا وجيوشنا ، يا للعار ، الفلسطينيون يموتون، وامعتصماه.. الخ ..))!
ان هذا التحجر الروتيني تكون بسبب هيمنة ذلك الموقف المنافق بخصوص هذه القضية. فترى كيف ان النخب القومية العربية والفلسطينية، تغمض عيونها عن الواقع البائس والمخزي الذي يعاني منه الانسان الفلسطيني المقيم بين العرب انفسهم! فحتى الآن وبعد كل هذي السنين الطويلة من الهجرة والاقامة فأن الفلسطيني لا زال محروما من الحصول على أي جنسية عربية(عدى الاردن)، ويرغم على العيش باوراق ومعونات الامم المتحدة، بلا جنسية ولا جواز ولا وطن. رغم انه يمكنه الحصول على المواطنة الاوربية والامريكية بعد الاقامة خمسة اعوام! وكم هو معروف، سلوك شرطة الحدود والمطارات العربية مع الزائر الفلسطيني، اذ يعامل كمشبوه ويتعرض لكل التحقيقات والاتهامات، لمجرد انه فلسطيني.
لو أخذنا (لبنان) مثلا، فأن مئات الآلاف من الفلسطينيين رغم اقامتهم منذ سنوات الاربعينات الا انهم حتى الآن لا يمتلكون أي حق للتمثيل في الدولة اللبنانية. انهم (الطائفة الوحيدة) المحرومة من الجنسية والجواز وحق المشاركة بالدولة. فحتى الارمن الذين ايضا اتوا لبنان مهاجرين، حصلوا على كل حقوقهم، بينما لا يحق للفلسطيني حتى ان يكون شرطيا. يعيشون في احياء اتعس من معازل الغيتوات. الجميع يخافونهم: الشيعي، لأنهم سنة. والمسيحي، لانهم مسلمين. والسني، لأنهم فلسطينيين! بل تبلغ الخرافة حدا، ان الفلسطيني اذا جرح امام مستشفى لبناني لا يحق معالجته بل يتوجب نقله الى مستشفى خاص باللاجئين تابع للامم المتحدة! ويبلغ النفاق اقصاه ان هذه العنصرية تبرر نفسها تحت اسم:(الحفاظ على الهوية الفلسطينية ومنع صهرهم لتبقى قظيتهم حية).. يا له من دجل ما بعده دجل!
نعم هذه هي الكارثة العروبية: ان الفلسطيني يحق له ان يحصل على كل جنسيات وجوازات الارض، حتى الاسرائيلية، عدى جنسيات الدول العربية!
تاريخ من الهزائم والكوارث
آن الاوان ان تتحلى النخب العربية والفلسطينية منها بالذات، بالشجاعة الكافية لكي تعترف بالواقع كما هو والحوار به بكل صراحة، والتخلص من ذلك الخطاب المنافق والمتذلل الذي يرمي كل المصيبة على عاتق الـ (الحكومات العربية)، بحيث صار من الطبيعي والمكرر والمذل ان نشاهد في الفضائيات اثناء كل كارثة، الام الفلسطينية واقفة وسط الخراب وهي تصرخ: (وينكم ياعرب..)!
علينا ان نكشف كل الاوراق ونراجع كل الامور بكل جرأة وصراحة. فتاريخ علاقتنا مع اسرائيل منذ اكثر من ستين عام يكشف لنا عن المحصلة الكارثية التالية:
ـ اننا قد لجأنا اولا لـ (سلاح الحرب الدولية والشعبية)، ففشلنا بكل الحروب وخسرنا ما لا يحصى من الضحايا والاراضي والممتلكات وجبالا من الكرامة والسمعة والثقة بالنفس. بل حتى ما سمي بـ(المقاومة الفلسطينية) التي جندت الآلاف المؤلفة من الشبيية العربية، وبعد عشرات السنين من المغامرات والبطولات والشعارات العروبية والماركسية والاسلاموية، فأن محصلتها الكارثية تتمثل بالرقم العجائبي التالي: ان 70% من ضحايا عملياتها واسلحتها ما كانوا من الاسرائيليين، بل من الفلسطينيين انفسهم، حيث ظلت الجبهات الفلسطينية تخوض الحروب بينها نيابة عن الدول العربية التي كانت تمولها، بالاضافة الى الحروب مع القوات الاردنية والسورية واللبنانية المسيحية والشيعية، وهكذا دواليك. وهذا يعني ايضا ان 70% من شهداء هؤلاء(الفدائيين) ما قتلوا بأيادي اسرائيلية، بل بأيادي فلسطينية وعربية!!
ـ اننا لجأنا لـ(سلاح المقاطعة والحصار)، ففشلنا كليا، لأن اسرائيل لم تعاني بل منحناها الحجة لكي تكون اكثر موحدة داخليا، وتحصل على تعاطف الشعوب والدول الغربية لكي تتضامن معها وتعوضها عن الحصار العربي الزائف والهش من الاساس! والانكى، ان هذا الحصار لم يمنع المنتجات الاسرائيلية من دخول البلدان العربية باسماء ووسائل سهلة معروفة، بل هو حرم المنتجات العربية من دخول اسرائيل!
ـ اننا لجأنا لـ(سلاح المفاوظات) عن طريق حكوماتنا المحترمة وبرعاية السيدة امريكا، ابتداءا من مبادرة السادات مرورا باتفاقيات اوسلو وحتى الآن. وكانت النتيجة(عدى عودة سيناء لمصر وكان هذا امرا محتما حتى بدون مفاوضات)، ان الفلسطينيين لم يحصلوا على سلطة واحدة، بل على سلطتين، في غزة والضفة، لكنهما مسلولتين فاسدتين تتناهشان مثل الكلاب الجائعة على العظام التي تلقيها لها اسرائيل بين وآخر. الشعب منقسم محاصر ذليل مغلوب على امره، والمستوطنات مثل السرطان المستفحل تتكاثر يوما بعد يوم.
خطأ من يظن ان مشكلة اسرائيل هي مع الفلسطينيين وحدهم، بل هي مع شعوب الشرق الاوسط جميعها. لهذا يمكننا ان نضيف الى محصلة هذه السنين الطويلة لتأسيس اسرائيل، تلك المصائب التي اصابت العرب بصورة عامة: استمرار التوتر في بلداننا، فكم من الانقلابات والحروب والاحزاب والصراعات اندلعت وتشكلت وتصارعت بأسم (الدفاع عن القضية الفلسطينية). بل الاتعس والاخطر ان هذا الصراع جلب على العرب والمسلمين، نقمة جميع الجاليات اليهودية في العالم. وكما نعرف ان هذه الجاليات لها وزن كبير جدا في التاثير على الراي العام والقرار الغربي. وهذا ما جعل هذه الجاليات تستخدم كل امكاناتها الاعلامية والسياسية والثقافية والسينمائية للحط من سمعة العرب والمسلمين، ومحاربة الجاليات العربية في الغرب وحرمانهم قدر الامكان، وتشويه سمعتهم وغلق ابواب المستقبل بوجوههم. بالاضافة الى استخدام اسرائيل لكل امكانياتها وحيلها ودهائها لتشجيع التطرف والتوتر في الدول العربية وخلق المشاكل الداخلية والخارجية، بوسائل عديدة منها مثلا دعم المنظمات الاسلامية الارهابية، وكذلك الجماعات المتعصبة الانفصالية كالمنظمات القومية الكردية، وغيرها.
اذن المحصلة النهائية في عدائنا لاسرائيل خلال ستين عام، كارثية بكل ما تعنيه الكارثة: جغرافيا وسياسيا وعسكريا وانسانيا وقيميا ونفسيا وداخليا وخارجيا.. فنحن المغلوبون عسكريا، ونحن الخاسرون وطنيا، ونحن المحاصرون عالميا، ونحن المشوهون انسانيا واعلاميا....
فما العمل: هل نظل متمسكين بذلك الخطاب المتكلس الثوري الرافض والمنافق؟
الصراحة والجرأة والتواضع امام الحقيقة!
من اوجه النفاق في الخطاب الرافض، القبول بان تقوم الدول العربية، مثل مصر والاردن وغيرها، بالاعتراف بدولة اسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها، ولكن بنفس الوقت التمسك وبقوة وتعصب برفض اقامة أية علاقات حوار مباشرة مع الشعب الاسرائيلي ونخبه. انها معادلة غريبة ومناقضة لكل المنطق الانساني الطبيعي والسياسي الواقعي: نعم للسلام مع الدولة المعتدية ولكن الرفض التام لأية علاقة مع الشعب، بل رفض العلاقة مع كل يهود العالم. أي نعم للسلام والحوار والتفاوض مع الوحش الضاري، لكن الرفض التام لأي تقرب من الحيوانات المسكينة التي تعيش في او قرب غابة هذا الوحش!!
ان التشريح النفسي لهذا الموقف يكشف عن: ان هذه النخب الرافضة في اعماقها لا زالت غير ناضجة وغير واثقة من نفسها ولا زالت تمارس دور المراهق المسكين الخجول الذي يخاف مخالفه اهله(الحكومات) والتجرء على مغازلة بنت الجيران، فيتركهم وحدهم يتكفلون بتدبير الخطوبة له!
نعم ان النخب العربية تتباكى وتتشكى دائما من قمع الحكومات، لكنها بنفس الوقت تتبنى مواقفها وتخضع لأوامرها فلا تمنح نفسها اية حرية بالتفكير واستنباط الحلول الواقعية بالحوار المباشر مع الخصوم، بدون الاعتماد على السادة الوزراء والسفراء.
والانكى، ان هذه النخب والشعوب العربية لم تترك الحكومات وحدها تتكفل بالتفاوض مع اسرائيل، بل ارتضت ايضا ان تقوم (امريكا!) بالنيابة عنهم بالتفاوض وطرح الحلول. فترى العرب المساكين اثناء كل انتخابات امريكية يشرعون بالتحليل والسفسطة والتنظير والاستمناء على الرئيس الامريكي القادم الذي سيكون نوعا من الـ(المهدي المنتظر)، يحل لهم المشكلة الفلسطينية ويحقق لهم الجنة على الارض! وطبعا امنا الحنون امريكا في كل مرة تأتينا مثل راقصة داعرة تهز اردافها في كواليس الشرق تداعب القادة العرب والاسرائيليين حتى تسكرهم باغوائها الشيطاني وتكشف عن عوراتهم وهشاشتهم ثم تهدئهم ببعض الهمسات واللحسات وتتركهم ثمالى يتشاجرون من التعب والخيبة!
حتى الآن لا احد يفهم، كيف يتمكن هذا المواطن الاسرائيلي(مثقف او رجل دين او نقابي او رياضي)، رغم كونه مواطن دولة مصطنعة ومعتدية، ان يسمح لنفسه بكل جرأة وثقة وحرية من الاتصال والتحاور مع الاطراف العربية، بل امتلاك الجرأة بمزاولة السياحة في الدول العربية بشكل مكشوف كما يحصل في الاردن ومصر والمغرب وتونس! بينما على العكس تمام، ترى العربي، رغم كل تاريخه الطويل وميراثه العريق وشعوره اليقين بأن بالحق معه، يغدوا مثل طفل ضائع بمواجهة الاسرائيلي واليهودي، ويتلفت الف يمين ويسار خوفا وارتعاشا وكأنه فتاة تخشى ان تفقد بكارتها!
نعم هنالك رفض للانفتاح على اسرائيل، بحجة منافقة تدعي (محاصرتها ومضايقتها)، وهذا غير صحيح ابدا، بل هو بحقيقته خوف من ان تدخل فينا وتؤثر في موقفنا وتشتري ضمائر ناسنا ونخبنا.
بينما أي تفكير عقلاني واقعي ناضج يحترم الذات، يقول لنا العكس تماما: يجب علينا ان نمتلك الثقة بانفسنا وبشعوبنا وبنخبنا لكي نقدم على الانفتاح ونتحاور ونتعايش بكل حرية مع الاسرائيليين. فنحن عدديا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا وميراثيا اكبر واكثر واغنى واعرق منهم بمئات المرات. ومن المنطقي والمعقول انهم هم الذين يجب ان يخشوا ان ندخل فيهم ونؤثر في مجتمعهم سكانيا وثقافيا وسياسيا وانسانيا!
نعم للحوار المباشر من قبل شعوبنا ونخبنا
ثمة حقيقتان يتوجب اخذهما بنظر الاعتبار من اجل تحديد موقفنا للتعامل مع اسرائيل:
اولا ـ من الخطأ الكبير الاعتقاد ان قرار تكوين اسرائيل وديمومتها جاء تنفيذا لارادة يهودية عالمية ولصالح اليهود. بل هو العكس تماما، انه جاء بارادة غربية اسست ودعمت الحركة الصهيونية، للتخلص من مشكلة يهود اوربا ورميها على عاتق العرب، وخلق دولة لهم مهمتها تهجير يهود الشرق وقطع اليهود عن اصولهم المشرقية، ومنع أي تقارب وتحالف بين يهود العالم مع باقي شعوب الشرق من مسلمين ومسيحيين، لكي يبقى هذا الشرق ضعيفا منقسما متوترا محروما من الاستقرار والقوة التي يمكن ان تهدد مصالح الغرب.(راجع موضوعنا التفصيلي:
www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=96:2010-09-05-05-53-13&catid=37). ضمن هذا السياق يمكن ان نضيف التوضيح التالي: ان المواطن الاسرائيلي، مهما كان صهيونيا ومتعاطفا مع حكومته، يبقى انسانا مثل جميع البشر يفكر بحياته وعائلته ومحبيه ويحتاج الى الامن والسلام والاستقرار. ومن الطبيعي جدا انه في اعماقه يفضل ان يعيش في شعب آمن ومنفتح ومقبول من الشعوب المحيطة به.
ثانيا ـ خلال اكثر من ستين عام منحنا حكوماتنا الحرية الكاملة في التعامل مع اسرائيل وتجريب كل الاسلحة الممكنة. وهاهي قد فشلت في سلاح الحرب، وفي سلاح الحصار، وفي سلاح المفاوظات الدولية..
اذن لم يتبقى لنا غيرنا نحن(الشعوب والنخب) ان نجرب بأنفسنا هذه المرة، سلاحنا الوحيد الممكن والمتوفر: سلاح السلام والحوار الشعبي المباشر مع الاسرائيليين وجميع يهود العالم.
لا نريده ابدا حوارا هشا انتهازيا فرديا، كما جربه مثلا، اثنان من الصعاليك المحسوبين على المثقفين العراقيين في الخارج، عندما زارا اسرائيل وراحا يمجدان(ديمقراطيتها) ويسخران من الشعب الفلسطيني! ولا نريده مثل ذلك المسؤول الحزبي العراقي الذي نفذ خطة اسياده فسرق منا تسمية(الامة العراقية) لكي يشوه سمعتها بزيارة اسرائيل مرتين والتملق لحكومتها والتنكر لمعانات الفلسطينيين.
نقول لا، بل نريده حوارا جماعيا منفتحا وشعبيا وصريحا مع الاسرائيليين وجميع يهود العالم، مثقفين ونقابيين وحزبيين ورجال دين، نجريه في اسرائيل وفي الدول العربية وفي جميع انحاء العالم، وفي جميع وسائل الاعلام، واينما تواجدت جاليات عربية ويهودية. نزورهم ونتاجر معهم ونتزاوج معهم، ونبقى بكل ما نمتلك من روح حق وقناعة نحاول ان نتفهمهم ونقنعهم ونؤثر فيها. ولكي يؤدي هذا الانفتاح والحوار الي النتيجة المقبولة، يتوجب منذ البداية ان نخلق ونشيع برنامجا وثقافة وقناعة تتمحور حول الفكرة التالية: ((يا اسرائيليين ويا يهود، اننا مثلكم، تعبنا من الصراع والعداء والخضوع لألاعيب القوى الغربية التي تبتغي اضعافنا نحن الطرفين، عرب ويهود. نريد ان نعمل جميعا من اجل خلق شروط وثقافة السلام والتفاهم والتعايش والتصاهر. وجميعنا نعلن للغرب والعالم بأن التعايش العربي ـ اليهودي وسلام الشرق الاوسط، هو ايضا لصالح الاخوة السلام في الغرب وفي العالم اجمع)).
لقد جربنا الحروب والعداء والمقاطعة والسلام الحكومي ـ الامريكي، ولم يبقى لدينا غير السلام، السلام الحقيقي الشعبي والنخبوي والشامل والانساني!
وربما سيؤدي هذا الحوار الى احياء وتشجيع ذلك الشعار الواقعي القديم:(( دولة واحدة لشعبين يهودي وفلسطيني)) على غرار جنوب افريقيا.. وهذا موضوع طويل، نتمنى ان يبادر مثقفونا الى امتلاك الجرأة بطرحه ونقاشه، و قد نعود اليه نحن في مقال قادم!
www.salim.mesopot.com
آن اوان النخب الثقافية والدينية والنقابية والسياسية لشعوب العالم العربي، ان تكسر هذا التكلس الجاثم على القضية الفلسطينية. إذ باتت معانات هذا الشعب روتينية عادية مكررة مثل فلم مشوه عتيق وممل وفاقد لكل قيمة. واقصى ما يمتلكه الانسان العربي، انه بين حين وآخر يشاهد على الفضائيات مقاطعا من هذه المآسات، فيصرخ وهو يلعب الدومنة او يتناول الدولمة: (( يا ناس يا عالم وين حكامنا وجيوشنا ، يا للعار ، الفلسطينيون يموتون، وامعتصماه.. الخ ..))!
ان هذا التحجر الروتيني تكون بسبب هيمنة ذلك الموقف المنافق بخصوص هذه القضية. فترى كيف ان النخب القومية العربية والفلسطينية، تغمض عيونها عن الواقع البائس والمخزي الذي يعاني منه الانسان الفلسطيني المقيم بين العرب انفسهم! فحتى الآن وبعد كل هذي السنين الطويلة من الهجرة والاقامة فأن الفلسطيني لا زال محروما من الحصول على أي جنسية عربية(عدى الاردن)، ويرغم على العيش باوراق ومعونات الامم المتحدة، بلا جنسية ولا جواز ولا وطن. رغم انه يمكنه الحصول على المواطنة الاوربية والامريكية بعد الاقامة خمسة اعوام! وكم هو معروف، سلوك شرطة الحدود والمطارات العربية مع الزائر الفلسطيني، اذ يعامل كمشبوه ويتعرض لكل التحقيقات والاتهامات، لمجرد انه فلسطيني.
لو أخذنا (لبنان) مثلا، فأن مئات الآلاف من الفلسطينيين رغم اقامتهم منذ سنوات الاربعينات الا انهم حتى الآن لا يمتلكون أي حق للتمثيل في الدولة اللبنانية. انهم (الطائفة الوحيدة) المحرومة من الجنسية والجواز وحق المشاركة بالدولة. فحتى الارمن الذين ايضا اتوا لبنان مهاجرين، حصلوا على كل حقوقهم، بينما لا يحق للفلسطيني حتى ان يكون شرطيا. يعيشون في احياء اتعس من معازل الغيتوات. الجميع يخافونهم: الشيعي، لأنهم سنة. والمسيحي، لانهم مسلمين. والسني، لأنهم فلسطينيين! بل تبلغ الخرافة حدا، ان الفلسطيني اذا جرح امام مستشفى لبناني لا يحق معالجته بل يتوجب نقله الى مستشفى خاص باللاجئين تابع للامم المتحدة! ويبلغ النفاق اقصاه ان هذه العنصرية تبرر نفسها تحت اسم:(الحفاظ على الهوية الفلسطينية ومنع صهرهم لتبقى قظيتهم حية).. يا له من دجل ما بعده دجل!
نعم هذه هي الكارثة العروبية: ان الفلسطيني يحق له ان يحصل على كل جنسيات وجوازات الارض، حتى الاسرائيلية، عدى جنسيات الدول العربية!
تاريخ من الهزائم والكوارث
آن الاوان ان تتحلى النخب العربية والفلسطينية منها بالذات، بالشجاعة الكافية لكي تعترف بالواقع كما هو والحوار به بكل صراحة، والتخلص من ذلك الخطاب المنافق والمتذلل الذي يرمي كل المصيبة على عاتق الـ (الحكومات العربية)، بحيث صار من الطبيعي والمكرر والمذل ان نشاهد في الفضائيات اثناء كل كارثة، الام الفلسطينية واقفة وسط الخراب وهي تصرخ: (وينكم ياعرب..)!
علينا ان نكشف كل الاوراق ونراجع كل الامور بكل جرأة وصراحة. فتاريخ علاقتنا مع اسرائيل منذ اكثر من ستين عام يكشف لنا عن المحصلة الكارثية التالية:
ـ اننا قد لجأنا اولا لـ (سلاح الحرب الدولية والشعبية)، ففشلنا بكل الحروب وخسرنا ما لا يحصى من الضحايا والاراضي والممتلكات وجبالا من الكرامة والسمعة والثقة بالنفس. بل حتى ما سمي بـ(المقاومة الفلسطينية) التي جندت الآلاف المؤلفة من الشبيية العربية، وبعد عشرات السنين من المغامرات والبطولات والشعارات العروبية والماركسية والاسلاموية، فأن محصلتها الكارثية تتمثل بالرقم العجائبي التالي: ان 70% من ضحايا عملياتها واسلحتها ما كانوا من الاسرائيليين، بل من الفلسطينيين انفسهم، حيث ظلت الجبهات الفلسطينية تخوض الحروب بينها نيابة عن الدول العربية التي كانت تمولها، بالاضافة الى الحروب مع القوات الاردنية والسورية واللبنانية المسيحية والشيعية، وهكذا دواليك. وهذا يعني ايضا ان 70% من شهداء هؤلاء(الفدائيين) ما قتلوا بأيادي اسرائيلية، بل بأيادي فلسطينية وعربية!!
ـ اننا لجأنا لـ(سلاح المقاطعة والحصار)، ففشلنا كليا، لأن اسرائيل لم تعاني بل منحناها الحجة لكي تكون اكثر موحدة داخليا، وتحصل على تعاطف الشعوب والدول الغربية لكي تتضامن معها وتعوضها عن الحصار العربي الزائف والهش من الاساس! والانكى، ان هذا الحصار لم يمنع المنتجات الاسرائيلية من دخول البلدان العربية باسماء ووسائل سهلة معروفة، بل هو حرم المنتجات العربية من دخول اسرائيل!
ـ اننا لجأنا لـ(سلاح المفاوظات) عن طريق حكوماتنا المحترمة وبرعاية السيدة امريكا، ابتداءا من مبادرة السادات مرورا باتفاقيات اوسلو وحتى الآن. وكانت النتيجة(عدى عودة سيناء لمصر وكان هذا امرا محتما حتى بدون مفاوضات)، ان الفلسطينيين لم يحصلوا على سلطة واحدة، بل على سلطتين، في غزة والضفة، لكنهما مسلولتين فاسدتين تتناهشان مثل الكلاب الجائعة على العظام التي تلقيها لها اسرائيل بين وآخر. الشعب منقسم محاصر ذليل مغلوب على امره، والمستوطنات مثل السرطان المستفحل تتكاثر يوما بعد يوم.
خطأ من يظن ان مشكلة اسرائيل هي مع الفلسطينيين وحدهم، بل هي مع شعوب الشرق الاوسط جميعها. لهذا يمكننا ان نضيف الى محصلة هذه السنين الطويلة لتأسيس اسرائيل، تلك المصائب التي اصابت العرب بصورة عامة: استمرار التوتر في بلداننا، فكم من الانقلابات والحروب والاحزاب والصراعات اندلعت وتشكلت وتصارعت بأسم (الدفاع عن القضية الفلسطينية). بل الاتعس والاخطر ان هذا الصراع جلب على العرب والمسلمين، نقمة جميع الجاليات اليهودية في العالم. وكما نعرف ان هذه الجاليات لها وزن كبير جدا في التاثير على الراي العام والقرار الغربي. وهذا ما جعل هذه الجاليات تستخدم كل امكاناتها الاعلامية والسياسية والثقافية والسينمائية للحط من سمعة العرب والمسلمين، ومحاربة الجاليات العربية في الغرب وحرمانهم قدر الامكان، وتشويه سمعتهم وغلق ابواب المستقبل بوجوههم. بالاضافة الى استخدام اسرائيل لكل امكانياتها وحيلها ودهائها لتشجيع التطرف والتوتر في الدول العربية وخلق المشاكل الداخلية والخارجية، بوسائل عديدة منها مثلا دعم المنظمات الاسلامية الارهابية، وكذلك الجماعات المتعصبة الانفصالية كالمنظمات القومية الكردية، وغيرها.
اذن المحصلة النهائية في عدائنا لاسرائيل خلال ستين عام، كارثية بكل ما تعنيه الكارثة: جغرافيا وسياسيا وعسكريا وانسانيا وقيميا ونفسيا وداخليا وخارجيا.. فنحن المغلوبون عسكريا، ونحن الخاسرون وطنيا، ونحن المحاصرون عالميا، ونحن المشوهون انسانيا واعلاميا....
فما العمل: هل نظل متمسكين بذلك الخطاب المتكلس الثوري الرافض والمنافق؟
الصراحة والجرأة والتواضع امام الحقيقة!
من اوجه النفاق في الخطاب الرافض، القبول بان تقوم الدول العربية، مثل مصر والاردن وغيرها، بالاعتراف بدولة اسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها، ولكن بنفس الوقت التمسك وبقوة وتعصب برفض اقامة أية علاقات حوار مباشرة مع الشعب الاسرائيلي ونخبه. انها معادلة غريبة ومناقضة لكل المنطق الانساني الطبيعي والسياسي الواقعي: نعم للسلام مع الدولة المعتدية ولكن الرفض التام لأية علاقة مع الشعب، بل رفض العلاقة مع كل يهود العالم. أي نعم للسلام والحوار والتفاوض مع الوحش الضاري، لكن الرفض التام لأي تقرب من الحيوانات المسكينة التي تعيش في او قرب غابة هذا الوحش!!
ان التشريح النفسي لهذا الموقف يكشف عن: ان هذه النخب الرافضة في اعماقها لا زالت غير ناضجة وغير واثقة من نفسها ولا زالت تمارس دور المراهق المسكين الخجول الذي يخاف مخالفه اهله(الحكومات) والتجرء على مغازلة بنت الجيران، فيتركهم وحدهم يتكفلون بتدبير الخطوبة له!
نعم ان النخب العربية تتباكى وتتشكى دائما من قمع الحكومات، لكنها بنفس الوقت تتبنى مواقفها وتخضع لأوامرها فلا تمنح نفسها اية حرية بالتفكير واستنباط الحلول الواقعية بالحوار المباشر مع الخصوم، بدون الاعتماد على السادة الوزراء والسفراء.
والانكى، ان هذه النخب والشعوب العربية لم تترك الحكومات وحدها تتكفل بالتفاوض مع اسرائيل، بل ارتضت ايضا ان تقوم (امريكا!) بالنيابة عنهم بالتفاوض وطرح الحلول. فترى العرب المساكين اثناء كل انتخابات امريكية يشرعون بالتحليل والسفسطة والتنظير والاستمناء على الرئيس الامريكي القادم الذي سيكون نوعا من الـ(المهدي المنتظر)، يحل لهم المشكلة الفلسطينية ويحقق لهم الجنة على الارض! وطبعا امنا الحنون امريكا في كل مرة تأتينا مثل راقصة داعرة تهز اردافها في كواليس الشرق تداعب القادة العرب والاسرائيليين حتى تسكرهم باغوائها الشيطاني وتكشف عن عوراتهم وهشاشتهم ثم تهدئهم ببعض الهمسات واللحسات وتتركهم ثمالى يتشاجرون من التعب والخيبة!
حتى الآن لا احد يفهم، كيف يتمكن هذا المواطن الاسرائيلي(مثقف او رجل دين او نقابي او رياضي)، رغم كونه مواطن دولة مصطنعة ومعتدية، ان يسمح لنفسه بكل جرأة وثقة وحرية من الاتصال والتحاور مع الاطراف العربية، بل امتلاك الجرأة بمزاولة السياحة في الدول العربية بشكل مكشوف كما يحصل في الاردن ومصر والمغرب وتونس! بينما على العكس تمام، ترى العربي، رغم كل تاريخه الطويل وميراثه العريق وشعوره اليقين بأن بالحق معه، يغدوا مثل طفل ضائع بمواجهة الاسرائيلي واليهودي، ويتلفت الف يمين ويسار خوفا وارتعاشا وكأنه فتاة تخشى ان تفقد بكارتها!
نعم هنالك رفض للانفتاح على اسرائيل، بحجة منافقة تدعي (محاصرتها ومضايقتها)، وهذا غير صحيح ابدا، بل هو بحقيقته خوف من ان تدخل فينا وتؤثر في موقفنا وتشتري ضمائر ناسنا ونخبنا.
بينما أي تفكير عقلاني واقعي ناضج يحترم الذات، يقول لنا العكس تماما: يجب علينا ان نمتلك الثقة بانفسنا وبشعوبنا وبنخبنا لكي نقدم على الانفتاح ونتحاور ونتعايش بكل حرية مع الاسرائيليين. فنحن عدديا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا وميراثيا اكبر واكثر واغنى واعرق منهم بمئات المرات. ومن المنطقي والمعقول انهم هم الذين يجب ان يخشوا ان ندخل فيهم ونؤثر في مجتمعهم سكانيا وثقافيا وسياسيا وانسانيا!
نعم للحوار المباشر من قبل شعوبنا ونخبنا
ثمة حقيقتان يتوجب اخذهما بنظر الاعتبار من اجل تحديد موقفنا للتعامل مع اسرائيل:
اولا ـ من الخطأ الكبير الاعتقاد ان قرار تكوين اسرائيل وديمومتها جاء تنفيذا لارادة يهودية عالمية ولصالح اليهود. بل هو العكس تماما، انه جاء بارادة غربية اسست ودعمت الحركة الصهيونية، للتخلص من مشكلة يهود اوربا ورميها على عاتق العرب، وخلق دولة لهم مهمتها تهجير يهود الشرق وقطع اليهود عن اصولهم المشرقية، ومنع أي تقارب وتحالف بين يهود العالم مع باقي شعوب الشرق من مسلمين ومسيحيين، لكي يبقى هذا الشرق ضعيفا منقسما متوترا محروما من الاستقرار والقوة التي يمكن ان تهدد مصالح الغرب.(راجع موضوعنا التفصيلي:
www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=96:2010-09-05-05-53-13&catid=37). ضمن هذا السياق يمكن ان نضيف التوضيح التالي: ان المواطن الاسرائيلي، مهما كان صهيونيا ومتعاطفا مع حكومته، يبقى انسانا مثل جميع البشر يفكر بحياته وعائلته ومحبيه ويحتاج الى الامن والسلام والاستقرار. ومن الطبيعي جدا انه في اعماقه يفضل ان يعيش في شعب آمن ومنفتح ومقبول من الشعوب المحيطة به.
ثانيا ـ خلال اكثر من ستين عام منحنا حكوماتنا الحرية الكاملة في التعامل مع اسرائيل وتجريب كل الاسلحة الممكنة. وهاهي قد فشلت في سلاح الحرب، وفي سلاح الحصار، وفي سلاح المفاوظات الدولية..
اذن لم يتبقى لنا غيرنا نحن(الشعوب والنخب) ان نجرب بأنفسنا هذه المرة، سلاحنا الوحيد الممكن والمتوفر: سلاح السلام والحوار الشعبي المباشر مع الاسرائيليين وجميع يهود العالم.
لا نريده ابدا حوارا هشا انتهازيا فرديا، كما جربه مثلا، اثنان من الصعاليك المحسوبين على المثقفين العراقيين في الخارج، عندما زارا اسرائيل وراحا يمجدان(ديمقراطيتها) ويسخران من الشعب الفلسطيني! ولا نريده مثل ذلك المسؤول الحزبي العراقي الذي نفذ خطة اسياده فسرق منا تسمية(الامة العراقية) لكي يشوه سمعتها بزيارة اسرائيل مرتين والتملق لحكومتها والتنكر لمعانات الفلسطينيين.
نقول لا، بل نريده حوارا جماعيا منفتحا وشعبيا وصريحا مع الاسرائيليين وجميع يهود العالم، مثقفين ونقابيين وحزبيين ورجال دين، نجريه في اسرائيل وفي الدول العربية وفي جميع انحاء العالم، وفي جميع وسائل الاعلام، واينما تواجدت جاليات عربية ويهودية. نزورهم ونتاجر معهم ونتزاوج معهم، ونبقى بكل ما نمتلك من روح حق وقناعة نحاول ان نتفهمهم ونقنعهم ونؤثر فيها. ولكي يؤدي هذا الانفتاح والحوار الي النتيجة المقبولة، يتوجب منذ البداية ان نخلق ونشيع برنامجا وثقافة وقناعة تتمحور حول الفكرة التالية: ((يا اسرائيليين ويا يهود، اننا مثلكم، تعبنا من الصراع والعداء والخضوع لألاعيب القوى الغربية التي تبتغي اضعافنا نحن الطرفين، عرب ويهود. نريد ان نعمل جميعا من اجل خلق شروط وثقافة السلام والتفاهم والتعايش والتصاهر. وجميعنا نعلن للغرب والعالم بأن التعايش العربي ـ اليهودي وسلام الشرق الاوسط، هو ايضا لصالح الاخوة السلام في الغرب وفي العالم اجمع)).
لقد جربنا الحروب والعداء والمقاطعة والسلام الحكومي ـ الامريكي، ولم يبقى لدينا غير السلام، السلام الحقيقي الشعبي والنخبوي والشامل والانساني!
وربما سيؤدي هذا الحوار الى احياء وتشجيع ذلك الشعار الواقعي القديم:(( دولة واحدة لشعبين يهودي وفلسطيني)) على غرار جنوب افريقيا.. وهذا موضوع طويل، نتمنى ان يبادر مثقفونا الى امتلاك الجرأة بطرحه ونقاشه، و قد نعود اليه نحن في مقال قادم!