أن يلجأ المرء إلى تفنيد "البراهين" التي ساقتها الدكتورة بشرى كنفاني، مديرة الإعلام الخارجي في وزارة خارجية النظام السوري، في تبرير الحكم على المدوّنة السورية الشابة طلّ الملوحي، بالسجن خمس سنوات، بتهمة التجسس؛ يعني ـ في أوجه كثيرة، سياسية وحقوقية وأخلاقية ـ الإنخراط في مماحكة، متأخرة وغير متكافئة البتة، تضيف الإهانة على جرح الصبية. ولسوف ينتهي الأمر إلى الإشتراك في اللعبة المبتذلة ذاتها التي يسعى النظام إلى أن تكون مخرجه، الوحيد في الواقع، إزاء فضيحة كبرى مدوية، صارت تفرض على النظام استيلاد المزيد من الفضائح الصغرى، وهنا بعض جدل اندحار الباطل أمام الحقّ.
سكتت السيدة كنفاني دهراً، مثلما سكت معلّمها المباشر وليد المعلّم، ومعلّمها الأكبر بشار الأسد، ثم نطقت كفراً بالنيابة عن مهندسي واحد من أحطّ فصول "الحركة التصحيحية"، وأشدّها قذارة وخسّة، واستهانة بأيّ مستوى أدنى مقبول من صون شرف المواطن وكرامته، خاصة حين تكون الضحية صبيّة مدوّنة في سنّ 17 سنة، وبعد اعتقال وتحقير وتشهير ومحاكمة قرقوشية. هذه المرّة التحقت خارجية النظام السوري بالوحش الأمني المنفلت من كلّ عقال، علانية وجهاراً، فبدت الثياب الدبلوماسية عارية وأقبح من ذي قبل، وذهبت في التلفيق إلى أقصى السخف والغباء والضحك على الذات، قبل افتراض الضحك على الآخرين.
والحال أنه لو توفّر ربع عاقل واحد، من غير زبانية النظام وأبواقه وعسسه، يصدّق تخرّصات السيدة كنفاني ويقيم وزناً ما، أي وزن، لما ساقته من "براهين"؛ فإنّ الواجب المهني، فضلاً عن وقار السنّ (83 سنة)، والحرج الوظيفي (العمل بالتعاقد مع وزارة الخارجية، لأنّ كنفاني تجاوزت سنّ التقاعد منذ سنوات وسنوات)، يقتضي من مديرة الإعلام الخارجي أن تفسّر لربع العاقل ذاك بضعة تساؤلات، من الطراز التالي على سبيل الأمثلة:
ـ منذ متى يتولى الإعلام الخارجي، أو وزارة الخارجية، بمعلّمها وقضّها وقضيضها، الخوض في مسائل "حساسة"، تخصّ العمليات الإستخبارية للنظام السوري؟
ـ أين كانت السيدة كنفاني، ومعلّمها المباشر، ورئيسها بشار الأسد، من قضية اغتيال عماد مغنية، المسؤول العسكري في "حزب الله"؟ وهل اتهام صبية في سنّ 17 سنة بـ"التجسس" لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قضية أخطر من اغتيال مغنية؛ وبالتالي فإنّ هذه استدعت وتستدعي الصمت المطبق، والقضية الأولى استحقت الضجيج والعجيج/ التلفيق والفبركة؟ ثمّ أين فرسان خارجية النظام السوري من الإتهام الصريح المباشر الذي وجهته السيدة سعدى بدر الدين، أرملة الشهيد مغنية، حول "تسهيل" النظام عملية اغتيال زوجها؟
ـ واغتيال العميد محمد سليمان، أحد أبرز مساعدي رأس النظام، ماذا عنه؟ ألا تروي السيدة كنفاني، وسادتها، عطش الإعلام الخارجي إلى معلومات شافية ـ ولا نقول: وافية... هيهات! ـ عن هوية القتلة، أو سيناريو الإغتيال؟ ما الذي أعاق ويعيق الأجهزة الأمنية السورية عن هتك الغامض، ما دامت على درجة من الشطارة والفهلوة والملعنة أتاحت كشف قضية "الجاسوسة" طلّ الملوحي، أو "ماتا هاري سورية" كما فات كنفاني أن تقول؟
ـ وقصف موقع "الكبر"، في ظاهر مدينة دير الزور، وما انطوى عليه من انتهاك مهين لأجواء القطر وأراضيه، ماذا لديكم عنه، يا عباقرة كشف المستور وحلّ الألغاز؟ ألا يستحق ربع مؤتمر صحفي على غرار ما عقدته كنفاني حول قضية الملوحي، وربع عدد الملفات التي حملتها إلى الصحافة؟ وإذا كان الردّ على قاصفي موقع "الكبر" هو عدم الإنجرار إلى تحرشاتهم، كما ردّد أهل النظام، الذين بشّروا الإنسانية بأنهم هم، وليس القاذفات المعتدية، مَنْ سيختار توقيت الردّ المناسب؛ أفلم تكن الحال تستحقّ قصفاً لفظياً وإعلامياً على الأقلّ؟