Saturday, February 26, 2011

الفساد والاستبداد : مروان حبش



لقد عرفت منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه "استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة "، وحسب هذا التعريف فإن الفاسد هو من يستغل سلطته عن وعي وقصد لكي يتوصل إلى مزية شخصية ، وإلى هدف غير شرعي أو هدف شرعي يمنع المتسلط صاحبه من الوصول إليه إلا إذا قدم "المعلوم".

إن الفساد في الدول التي ينتج شعبها سلطته الحاكمة ، أي الدول ذات النظام الديمقراطي، ظاهرة شاذة، وما أن يكشف مرتكبوها، حتى ينالون العقاب الذي يستحقون، أما الفساد في الدول ذات النظام الاستبدادي فإنه يكون ثالثة الأثافي التي يرتكز عليها النظام في استمراره في السلطة، ويصبح قيمة سائدة من بين القيم التي تحكم السلوك في علاقة المواطن بأجهزة السلطة ومؤسسات الدولة ، ولا غرابة في ذلك ، طالما أن الهمَّ الوحيد للحاكم هو استمراريته في السلطة، وهذا يتطلب الموالاة ، وأقرب طريق لتكوين موالين هو إغداق المال عليهم ولهم أن يحصلوا على الثروة بـ < شطارتهم > وبشطارتهم يسري الشر المستطير في أرض الوطن، من ناحية ، ويجب أن يصبح هؤلاء "مدانون" وبمقدار ما تكبر "ملفاتهم" يزداد ولاؤهم للحاكم، وفق منطوق الدولة الأمنية ، من الناحية الأخرى ، وخوفا من البطش يجد المواطن أن ليس في وسعه فعل شيء، ويلتزم الصمت الذي يرتفع جداره المحيط بالفساد ، رغم إدراكه " المواطن " بعدم اتخاذ أية إجراءات لاختراق هذا الجدار.

وبمقدار ما يعم وباء الفساد، أيضاً، تكثر التبريرات وتتكرر دائما : بأن اللجوء إلى الرشوة وإعطاء المتنفذين "بقشيشهم" أو "نصيبهم" أو "حصتهم" قد أصبح الآن تقليداً من تقاليد العالم الثالث، وأن بعض البلدان المصدرة تسانده إذْ جعلت مبالغ الرشوة المدفوعة قابلة للحسم الضريبي، وما هذا إلا عذر لتغطية حقيقة النوايا.

إذا كان الفساد في الدول الديمقراطية خاضعاً للمساءلة والمحاسبة، فهو ليس كذلك في الأنظمة الاستبدادية ، باستثناء حالة واحدة، وهي ضرورة تقديم كبش فداء بين فترة وأخرى، ويختار الحاكم هذه الضحية، وفق معاييره الخاصة ، وغير ذلك ، ينشأ عن الفساد في ظل هذه الأنظمة ظواهر خطيرة يدركها ويرددها جل المواطنين، من بينها:
نشوء شبكات المافيات وعصابات الإرهاب وكثرة القنوات المظلمة وزيادة التحرر من الملاحقة، ويصبح للمتمولين "القدامى والجدد" والمتنفذين وأقربائهم نفوذا حاسماً في الدولة، و يفلت هؤلاء الأثرياء من دفع الضرائب بعملية إفساد عام للإدارة ويصبح بإمكانهم "أي رجال جدار المال" التحكم في توجيه إصدار القرارات والقوانين التي تلبي مصالحهم، وتصبح الإدارة خاضعة لرغباتهم <بمؤسساتها القضائية والتشريعية والتنفيذية >، كما يمكن أن يتحكموا في الحصول على مناصب لهم أو لأعوانهم ، وبذلك يستمرون في الحصول على مكاسب ووسائل تضاف إلى وسائلهم المتنامية إلى حد مفرط ، ويمكن القول أن السلطة تصبح سلطة "أوليغارشية"، أي سلطة للأقلية الغنية التي تحافظ على امتيازاتها ضد كل شيء وضد الجميع.
ونتيجة تحويل مبالغ طائلة من المال إلى حسابات مصرفية لصالح أصحاب القول الفصل والحكم فيما يصلح أمور المجتمع وما يلحق به من ضرر، تُتخذ قرارات خاطئة تتصل بالسياسة والاقتصاد، تعوق البرامج والمجهودات التنموية وتجعل النجاح مستحيلاً أو مشوهاً وترتفع كلفة المشاريع بشكل باهظ.

إذا كان الفساد وانتشاره ينطلق من المقولة "أن السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة" فإن اقتلاع الفساد "وهذه الجملة تصيب كبد الحقيقة"، ينطوي على مجازفات ويتطلب مصداقية ومواقف صارمة لا هوادة فيها ولا مراعاة ولا تواطؤ مع الحكام والطغاة من أرباب الثروة كمخرج من درك الأزمة العميقة أزمة نظام الفساد المستقر في أعماق النظام وأثاره التي أصبحت فوق الاحتمال .

إن محاربة الفساد ليست فكرة خيالية "دون كيخوتية" ، ولكن لا تقتلعه الأجهزة الأمنية أو بعض أجهزة الرقابة والتفتيش، وإذا كان استشراء هذا البلاء يقابله فقدان دولة القانون وحرية الرأي والصحافة والتعددية السياسية وجمعيات المجتمع المدني، فإن هذا كله يحتاج إلى خطة منهجية ويوجب الانطلاق من إستراتيجية عامة، تبدأ من تحويل بنية الدولة الاستبدادية إلى دولة حيادية ديمقراطية وسلطة متغيرة، وبهذا التحويل تصبح النظرة إلى الوطن وخيراته بأنها ملك لجميع المواطنين، و أن المال العام يجب أن يتوجه إلى تنمية الوطن ورفاهية المواطنين.

من هذه البداية يتأسس نظام وطني يجهد للمحافظة على الاستقامة، ومن أبرز ملامح هذا النظام الوطني : حكومات منتخبة ديمقراطياً، توزيع متكافئ للسلطات، صحافة حرة، انتخابات تمثيلية حرة، جمعيات مدنية لإيقاظ الوعي لدى عامة الناس ويفسح لها المجال للوصول إلى المعلومات الضرورية لمراقبة الفساد وفضح الفاسدين.