Friday, February 25, 2011

التمثيــل بأميــرالاي : أسامة محمد


انتقت قيادة التلفزيون من كل مثقفي وصحافيي ونقاد سوريا... محمد الأحمد ليحيي ما يفترض أن يكون صباح َخيرٍ احتفاءً بسينما « أميرالاي « الراحل للتوّ... لا أتكهن من أَلهَمَ من ... لكن أي مخيلة هذه.. تأتي برجل حاول طوال سنين إلحاق الأذى بعمر في إشاراتٍ أمنية وكاذبة وثَقتها الصحافة وقرأها الجميع. اختار التلفزيون كارِهَ السينمائيين ليحتفي بفقيدهم... فأوسع جسده تمثيلا.

التمثيل بالجثة... عنف ٌنوعي وحقدُ نوعيٌّ وكرهٌ نوعيٌّ ترعرعَ في منطقتنا وازدهر في الحروب الأهلية... والتمثيل بالراحل خوفٌ من قوّة حياته المستمرة وورطة تتمثّل في دونية القاتل ومحاولته تمديد لحظة القتل بوصفها لحظة الانفراد بسلطة اللحظة.

بدائيةٌ نقدية مسكينة... تدور على الكرسي الدوار للمدير العام فيختلطُ الضميرُ الفنّي بالضمير الأمني ليَمنح عُمر فضيلة ًوحيدةً هي»الأكثر وسامة و... أناقة بين زملائه مجرّداً أميرالاي من أناقة السينما.

سؤال أبديّ وصعب عن علاقة الأخلاق بالفن.. من يلتهم من؟ ضحالة الضمير أم ضحالة النقد؟... وأيهما الذي يتكلم على الشاشة... في مِيْلَويّة مغرورة لا تستطيع الخروج من تيمة الأفضل والأحسن والصح والصواب وَالـ نعم وَالـ لا.

فضمير الناقد يُغيّب فيلميّ «الحياة اليومية» و«الدجاج». يختطف محمد الأحمد من عُمْرِعُمَر أعواماً يخفيه فيها عن الوجود... فعُمَر لم ينجز إلا الأفلام التي يقررها الأحمد.

أردُّ اليوم وللمرة الأولى في حياتي على ما يأتي من سباب واتهامّ... لسببين، أولهما غياب عُمَر، وثانيهما الفراغ الإنساني والمهني الذي يُدير شؤون السينما في وطننا سوريا حيث نولد ونموت.

سأورد بعضاً مما شاهدتُ وأورده سامر اسماعيل ومما لم يورِد من أقوال المدير العامّ بين قوسين. وسعياً للاختصار سأرمز للسيّد محمد الأحمد بالحرفين «م. أ« ولشخصي أنا بهما معكوسين «أ. م«.

هكذا يبدأ المدير قراءة البلاغات على أنها نقد سينمائي:

بلاغ رقم 1

ـ م. أ: «... حيث ساعده وجودهُ في باريس العام 1968 على الانخراط في أحداث ثورة الطلاب. وهذا بدوره خلق لدى عُمر أميرالاي مشكلة أساسية لم ينتبه أحد إليها من الذين قيّموا تجربته، فهو شخص تاهَ بين السياسيّ والمُخرج التسجيلي».

ـ أ. م: مربّع الوتر يُساوي مجموع مربعيّ الضلعين الآخرين. وعليه فالمشارك في الثورة يتوه بين الإخراج والسياسة... فالسياسة والإخراج متوازيان لا يلتقيان إلا بإذن المدير العامّ... وهذا يعني أنّ تروفو وغودار وغاريل و... غلوبير روشا وبازوليني وفورمان سياسيون أكثر من كونهم مخرجين. وإن الأوان فات لتنبيه نوري بوزيد ومنصف وزملائهم في تونس ويُسري وخالد وخان وبشارة وداوود والقليوبي والبطوط من شرّ الانخراط بالمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية لأن ذلك يضعف الإخراج. أما خالد أبو النجا فسوف يغلب السياسي على تمثيله لدور العاشق.

السياسي والمخرج

بلاغ رقم 2 ـ

ـ م. أ: «أنا قلتُ لعمر انّ لديه مشكلة أساسية لم ينتبه إليها أحد، قلتُ ووافقني عليها. وهيَ أنه ظلّ في منطقة فضائية عديمة الجاذبية، فلم يستطع أن يَصعدَ نحو السياسة ولا العودة إلى الواقع المعيش المتمثّل في السينمائيّ التسجيليّ. لذلك كان سياسياً أكثر من كونه مخرجاً سينمائياً، هذه حقيقة وهذا كلام يجب أن يُقال».

ـ أ. م: هل صادفَ أحدكم ناقداً يصفُ مقولتهُ النقدية بالحقيقة!؟ كما لو أنه يتكلم عن هلال شعبان... هذا الذي يحتاج لعدّة شهود شرعاً. قد تكون الكلمة (الحقيقة) انزلقت من شعور صاحبها النفسي بمأزق سرد مواجهته النقدية الشجاعة لأميرالاي... ولأن الأمر مشكوكٌ به فقد صعدت أنا (أ. م) إلى أعلى حيّ المهاجرين والتقيتُ بعمر البارحة وقرأتُ له البلاغ أعلاه فأجابَ «هه».. وإذا لم تصدقوني فاسألوا عُمر... والذي أجرى دموعي عندما اجتمعتُ بفلليني وتشابلن وكيوبريك وفيرتوف قولهم لي إنَّ سينما صديقك عُمر واقعية ساحرة حُرّه. وإن ناقدنا فقير إذ أعرض لسببٍ ولم يفند عُمَرلا في السياسة ولا في الإخراج؟... واستغل إزنشتاين اتقاني الروسية فوبخني وترجم لهم فراحوا يبهدلونني كيف يمكن وفي بلدٍ اخترعَ الأبجدية أن يُدير سينماها ناقدٌ يُطلقُ على جملٍ تقريرية صفة الحقيقة.

إنها الحقيقة. وإذا لم تصدقوني فاسألوا دزيغا وسيرغي وشارلي وفريدريكو وستانلي.

في البلاغات اللاحقة ينتشي المدير من قوة مواجهته الافتراضية لعمر ويرفس السينمائيين السوريين جماعةً فيقرر أنهم أخفقوا في نقل البيئة السورية المحلية. والبرهان على ذلك نقداً، أن اليابانيّ كيروساوا أو روسيلليني الإيطالي أو بونويل الإسباني لم يُخفقوا... فالعلّة البنيوية لأحلام المدينة والنصف متر وابن آوى و... والكومبارس و...الحياة اليومية والدجاج والطوفان أن روسيلليني عظيم...

وحين يتنبه الى أنه على الهواء... يرشو عمر ويعلنه «الأكثر أناقة ووسامة بين زملائه»... طيّب تشجع يا مدير. اهزم الغرب وقل انه أوسم وأكثر أناقة من شلّة كورساوا!!!.

وسوف يُمَزِّق نعوة عمر في البلاغ الرقم (5) ليسرق منها كلمة العالميّ محتكراً توزيعها مبرهناً عل ذلك بـ«لا لم يَصل إلى العالمية» و(لا) النافية للعالمية تصبح (لا) عالميةً وتُقَرِرُ أنه الأذكى الذي وجدها وأن كلَ نقدٍ آخر لسينما عُمَرْ عواطفي، خدعته ربما وسامة... أميرالاي!!

بورتريهات

بلاغ رقم 7 ـ

ـ م. أ: «تجربة عُمر أميرالاي مع بداية التسعينيات بدأت تضيق ولم تدخل أمداء واسعة، فقد اتجه إلى تصوير بورتريهات سينمائية أخذت شكل تقارير صحافية عن شخصيات... سعد الله ونوس وميشيل سورا وبنظير بوتو».

ـ أ. م: هات.. بقى.. وقل لنا ولو لمرّة كيف ولماذا تَعْتــَبرُ أفلامه عن سعد الله وسورا وبوتو... تقارير صحافية؟ صارح شعبك السينمائي... افتح لنا أمداء الحوار وأجب عن السؤال... والحقيقة أنني أتحداك أن تفعل هذا.

من الصعب تحديد الذروة في دراما إطلالة «م. أ« التابينية لسينما أميرالاي. لكن المرء يصاب بالخجل والخوف فـ«م. أ« يهجم فجأةَ على المذيعة: «متلما قلتلك يعني إغراء... شو إغراء؟ ممثلة» و«بنظير شو» وبالطبع ... سعد الله ونوس شو؟.

- أ. م: إي شو شو!؟... ذروة... طبعاً ذروة.. فالإنسان مدىً ضيّق رغماً عن الإمام علي «أتزعمُ أنكَ جرمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العَالَمُ الأكبرُ». وعن البدوي «وفي نفسيَ الدنيا وفي نفسيَ الدَهْرُ»

بالمناسبة.. فيلم عمر مع سعد الله كان بالتحديد فيلم عمر عن الصراع العربي الاسرائيلي... فهل هو همّ وطني؟ أم شخصي ضيق الأمداء؟ والفيلم قدّم ونوس كمفكر ومثقف.. رؤيتُهُ النقدية همه الوطني. أم أن ونوس كان ضيق الأمداء بدوره؟

و«بوتو» لا تظهر في الفيلم ولا لثانية...

ثم َّمن هي إغراء؟ ألا يعرف الأحمد المساحة الرمزية لإغراء في تاريخ السينما والمجتمع؟ أينكر مدى إنسانيتها؟ أم أن انتقادها لإدارته جعلها مجرد ممثلة عارية؟

أ... غرور؟! أم فساد المخيلة...?! عماها.

وسوف يغرق الناقد في «الطوفان» مؤكداً مكرراً أنه أضعف أفلام عمر، فالـ«الطوفان... كان منطلقاً من مشاعر شخصية ضيقة».