صادرت سلطات الأمن السورية كاميرا أحد الشباب الذين كانوا يلتقطون صوراً لجنازة المخرج الراحل عمر أميرلاي، الذي شيعه جمع كبير من المثقفين والجمهور ظهر السبت الماضي، وترافق التشييع مع وجود جمع كبير من المخبرين الذين ارتدوا الملابس المدنية، والذين لفتوا الأنظار إليهم حين قاموا بمصادرة كاميرا الشاب الذي كان يلتقط صوراً للجنازة مع مصادرة حقيبة كان يحملها، حسبما أفاد شهود عيان.
وأفاد مثقفون طالما ترددوا على أجهزة الأمن السورية في استدعاءات أمنية قسرية، بأنهم شاهدوا في الفترة الماضية العديد من رجال الأمن الذين كانوا يصادفونهم في تلك الفروع، وهم ينتشرون في الشوارع، ويرتدون ثياباً أنيقة ويقفون أمام المحلات التجارية بما يوحي أنهم من أصحابها، خصوصاً في الوسط التجاري لمدينة دمشق القديمة، والذي يجسد سوق الحميدية مركزه الأساسي.
وقال كاتب معارض أن أحد المخبرين الذي يعرفه بالوجه، شوهد في سوق الحميدية مؤخراً، وهو يبيع جوارب، بينما عيناه ترقبان حركة السوق... كما تحدث العديد من المواطنين عن قيام العديد من سائقي الأجرة (التاكسي) بفتح حوارات مباشرة معهم، من أجل معرفة آرائهم بما حدث في تونس، ويحدث في مصر أيضاً. ويعرف المواطن السوري عادة أن قسماً من سائقي سيارات الأجرة، هم مخبرون متعاملون مع فروع الأمن، إما لنقل صورة عما يقولونه... أو للإيقاع بهم للحديث في المحظور.
وبينما تسرب تقارير المراسلين الصحافيين المعتمدين في سورية أخباراً غير صحيحة عن غياب مظاهر الوجود الأمني في الشارع السوري، وعن تحركات لمواطنين سوريين يخرجون في مظاهرات عفوية بالسيارات دعماً للرئيس بشار الأسد، وعن غياب أي مظهر من مظاهر الغضب والتململ في أوساط السوريين، بل وإلصاق الحملات التي انتشرت على الفيسبوك للدعوة ليوم غضب سوري بـ (إسرائيليين يحاولون إثارة الشغب) فإن الشارع السوري الذي يرقب باهتمام ما يجري في شوارع عربية مشتعلة أخرى، يبدو في حالة ترقب وتعبير خفي عن مظاهر الكراهية التي يبقى على رأسها مظاهر الاحتكار التي أممت فرص العمل وامتيازات الاقتصاد السوري الكبرى لمجموعة من أقرباء الرئيس السوري، وعلى رأسهم رامي مخلوف.
وفيما أرسلت شركة الموبايل المملوكة لمخلوف رسالة إلى آلاف المواطنين تقول: (الشعوب تحرق نفسها لتغيير رئيسها ونحن نحرق أنفسنا وأولادنا ليبقى قائدنا بشار الأسد لا تراجع ولا استسلام معك يا قائد الوطن) وطالبت بنشرها على الفيسبوك، فقد رد الشباب السوري على هذه الرسالة، بنكتة مفادها: (على الرئيس بشار الأسد أن يحرق رامي مخلوف إذا أراد البقاء في السلطة).
وبينما تقوم السلطات السورية برشوة المواطن العادي عبر توزيع بعض المواد التموينية التي تقاعست المؤسسات الاستهلاكية في توزيعها بانتظام في الأشهر الأخيرة، وبينما تنشط المواقع الإلكترونية السورية الممولة من أجهزة المخابرات السورية، والتي يشرف عليها فرع المعلومات 255 بإشاعة وعود وإصلاحات اقتصادية، تبدو حتى الآن بطيئة، وغير مستعدة للمساس بامتيازات محتكري الاقتصاد السوري من أقرباء الرئيس السوري الذين (أكلوا الأخضر واليابس) كما يردد الشارع، فإن المواطن السوري مازال بعيداً كل البعد عن أدنى درجات الرضا أو الثقة بنظام يبذل جهداً مضاعفاً هذه الأيام لتسويق الأكاذيب الإعلامية والأمنية بشتى السبل... وما زال لا يريد الاعتراف بأنه يغلق منافذ الهواء والحياة ضد أبسط أشكال حرية الرأي والتعبير لدى كافة طبقات الشعب السوري.. إلى الدرجة التي تصادر فيها كاميرا تصور لقطات جنازة لمخرج سوري معارض رحل، ويستمر اعتقال مدونة سورية شابة لم تتجاوز العشرين من العمر منذ أكثر من عام، ولا يخجل النظام من إبقاء شيخ المحامين السوريين هيثم المالح رهن الاعتقال التعسفي وهو الذي تجاوز الحادية والثمانين من العمر!