ما يحدث في ليبيا منذ 17 /2/2011 فهو مغاير ومختلف إنه ثورة ضد نظام لا هوية له ولا إطار ولا دستور يقوده شخص يدعي لنفسه صفات، وأفكاراً وتصورات فوق بشرية، ويصدق أوهامه بأنه واحد من العظماء التاريخيين في العالم الحديث. وهو على التحقيق قائد فوضوي بكل السمات والصفات فرض نفسه بالإرهاب الدموي على الشعب العربي الليبي، واستخدم ثروات ليبيا النفطية وعائداتها الترليونية من الدولارات ليشتري له موقعاً عالمياً زائفاً.
الانتفاضة الليبية هي ثورة بكل المقاييس لإسقاط الفوضى والاستبداد النيروني، وبناء دولة جديدة ديموقراطية برلمانية ووضع دستور وبناء مؤسسات لدولة حديثة. إنها ثورة شعب خضع لسلطة استبدادية قمعية منذ أكثر من أربعة عقود يريد استرداد هويته العربية التي ضيعها هذا الديكتاتور بين هوية إفريقية وهوية إسلامية، واستعادة حريته من حكم عائلة تدعي ملكية كل شيء في ليبيا التي ضحت بنصف سكانها في مقاومة الاستعمار الإيطالي من أجل السيادة والتحرر الوطني، ثورة استعادة الثقافة التي شوهها هذا الدعي بكتابه الأخضر الذي فرضه عقيدة جديدة على شعب عربي حر مؤمن بسيادته وقوميته.
معمر القذافي يخاطب الليبيين اليوم وهم في غمرة ثورتهم أريد أن أحكمكم وإن لم تقبلوا فسأقتلكم، وهو لذلك يوجه ما تبقى له من قوة لقتل أكثر ما يمكن من هؤلاء الشباب الثائرين لإرهابهم ظناً منه أنهم سيخافون منه، ولم يعقل بعد أنهم لم يعد يرهبونه، وسيتخلصون من حكمه وإلى الأبد.
الشعب الليبي بكل طبقاته ونخبه السياسية والدبلوماسية والعسكرية والثقافية انضمت إلى ثورة الشباب وأيدت مطالبها وعمقت من ممارساتها للخلاص من معمر القذافي وعائلته وإلى الأبد.
حكم العسكريون العرب القسم الأكبر من الأقطار العربية منذ الخمسينات من القرن الماضي عن طريق الانقلابات العسكرية التي قاموا بها وسموها ثورات وأقاموا ديكتاتوريات متفاوتة الشمولية بين قطر وآخر وكانت شعاراتها القومية والوطنية تعلن تصميمها على التحرر من الاستعمار وتحرير فلسطين من الصهاينة وتحقيق المجتمع الاشتراكي. صحيح أنهم أنجزوا بعض المنجزات الاقتصادية على صعيد التنمية والتحديث الصناعي والخطوات الملموسة في مستويات نشر وتحديث التعليم والإعلام، واستثمار الثروات الطبيعية وجعلها في خدمة النهوض بالمجتمع.
لكنهم لم يستطيعوا الحفاظ على وحدة أراضي هذا القطر أو ذاك وفشلت الأنظمة التي توارثها من بدلوا هوياتهم مستجيبين للسياسات الإمبريالية في تنفيذ الوعود التي كانوا قد قطعوها عند قيام الانقلابات. لقد دمروا الطبقات الاجتماعية التي حملت عبء النهضة (الطبقة الوسطى والطبقة العاملة والنخب المثقفة) فدب الفساد في هياكلها وبنيتها وأجهزتها لتتحول إلى عبء كبير وعقبات مانعة على طريق التطور السياسي والاجتماعي. بعد أن حولتها الصراعات الدموية والأيديولوجية بين أجنحتها الثورية والمحافظة إلى أنظمة حكم محافظة مستغلة تدافع عن مصالحها الاقتصادية وامتيازاتها وثرواتها التي جمعتها بطرق غير مشروعة، مستخدمة السلطة التي استولت عليها بعنف مبالغ فيه، متمترسة في مواقعها لإرهاب جماهير الشعب التي حولتها إلى قطعان من الجياع والفقراء والعاطلين عن العمل.
لقد امتهن دورها وأصبحت خارج التاريخ لا بد من تغييرها كي تستعيد الأمة العربية حركتها النهضوية نحو أهدافها في الوحدة والتحرر والتقدم الصناعي والاقتصادي.
لقد انتهى دوركم أيها العسكريون العرب وعليكم أن تساعدوا مجتمعاتكم في التحول إلى الديموقراطية. كما حدث في بلدان أمريكا اللاتينية منذ نهاية القرن العشرين.
وجاء دور جيل الشباب الذي تعلم التكنولوجيا الجديدة للاتصالات من خلال شبكة الإنترنت، فأفلت من رقابة الأجهزة الأمنية، ليكون القوة الاجتماعية المحركة لانتفاضة الشعب العربي في مصر وتونس وليبيا في مواجهة الشمولية والطغيان، ومن أجل التجديد والتحديث والديموقراطية.