ما هذا الضجيج حول حائط البراق وملكيته
بقلم د. عدنان توفيق عبد الرازق
أثار رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو قبل عدة ايام ضجيجآ حول وثيقة كتبها السيد المتوكل طه نائب وزير الاعلام في السلطة الوطنية حول حائط البراق والذي يعتبره اليهود الجائط الغربي لهيكلهم التاريخي ويسمونه "هاكوتل". وطالب رئيس الوزراء الاسرائيلي قادة السلطة الفلسطينية نبذ هذه الوثيقة والتنديد بها "والكف عن انكار الحقائق التاريخية".
ولكي لا ننجرف وراء محاولات نتنياهو اسقاط اللوم لتعثر مفاوضات السلام على الجانب الفلسطيني للمفاوضات وخلق الذرائع مكشوفة النوايا للهروب من التزامات اسرائيل الدولية بخصوص شروط الاستمرار بهذه المفاوضات – من الضروري القاء الضوء على موضوع حائط البراق واستغلال الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لعواطف ووجدان ليس فقط اليهود بل الكثير من غير اليهود اللذين يرفضوا استعمال الدين لاغراض سياسية.
هناك اربعة مواضيع جوهرية يجب طرحها لكي نصل الى حقائق جوهرية موضوعية بخصوص هوية وملكية حائط البراق بعيدآ عن الخطاب الديني من جهه والتصريحات السياسية والاعلامية من جهه اخرى مع قناعتي بان الضجيج اليهودي/الاسرائيلي حول حائط البراق ومنذ زمن بعيد هو بالاساس ذات اهداف سياسية.
وهذه المواضيع الاربعة هي اولآ اشكالية التواصل اليهودي بالمدينة وثانيآ الصلة اليهودية الدينية بأثار الهيكل
وثالثآ موقع الحائط الغربي للهيكل واخيرآ ملكية وتبعية الحائط وما حوله.
اشكالية التواصل اليهودي بالمدينة
تشير الكتابات اليهودية وعيرها بأن نبوخذ نصر ملك بابل قام عام 587 قبل الميلاد بتدمير مدينة القدس وحرق الهيكل اليهودي وسبي 42 ألف يهودي إلى بابل . ولم يسمح لليهود بالعودة إلى فلسطين والقدس حتى عام 519 قبل الميلاد. بعد عودة اليهود إلى القدس المدمره بدءوا ببناء الهيكل من جديد عام 517 ق.م والذي اعتبر الهيكل الثاني وتم توسيعه على يد الملك هيرود في الأعوام 17-19 بعد الميلاد واستمر ذلك بعد موت هيرود وحتى عام 64 بعد الميلاد . لم تستمر أيام هذا الهيكل طويلاً ففي آب عام 70 ب.م . قام القائد الروماني طيطس بدخول القدس بعد تمرد اليهود فيها ودمر كل أبنيتها بما في ذلك الهيكل الثاني وحَول المدينة إلى ركام من الأبنية المدمرة وأقام على هذه الأنقاض ثكنات عسكرية ومنع اليهود من دخول المدينة وما حولها حتى القرن السابع ب.م اي لأكثر من 500عام .
يقول الباحث الاسرائيلي يورم تسفرير في مقاله (هدم جبل الهيكل) بانه بعد دخول طيطس تم الهدم التام للمدينة بعد ثلاثة ايام من المعارك القاسية وقام ايضآ حتى بعد سقوط المدينة وتحويلها الى رماد بالاستمرار بالهدم المبرمج لحائط المدينة وبناياتها باستثناء جزء من الحائط الغربي القريب من القلاع والتي تم حفظه لاستعماله كمركز لجيشه.
بعد هذا الخراب وعودة بعض اليهود الى المدينة ومحاولتهم البناء من جديد . وفي ا لاعوام 132-135 ميلادي قام اليهود بتمرد جديد خلال حكم الامبراطور هادريا . وقاد هذا التمرد باركوخبا ولكن لم يكن ذلك في القدس ولا توجد ادله على ان باركوخبا دخل القدس وادار تمرده هناك . لقد استمرت هذه الحرب ضد التمرد اليهودي (بار كوخبا) ثلاث سنوات ونصف حيث قتل اليهود بالجملة وسبي عدة آلاف منهم وتحولوا الى عبيد للامبرطورية . وتم تدمير كل المستوطنات اليهودية حول القدس وانتقل المركز اليهودي الى الجليل وامر الامبراطور بمنع ممارسة اليهودية وبمعاقبة العاصين بالموت وغير اسم المقاطعة من اوديا الى سوريا – فلسطينة وغير اسم المدينة الى " اليا كاباتولينا" . وامر بطرد اليهود من القدس وضواحيها ولم يسمح لهم حتى بزيارتها.
يشير تسفرير بانه في عهد البيزنطينيين كانت هناك محاولات شبه خفية لعودة اليهود الى الهيكل ولكن دون نجاح. كذلك كانت لهم محاولات وطلبات للعودة والصلاة هناك خصوصاً في المناسبات الدينية وبالذات يوم التاسع من آب (التقويم العبري) وهو ذكرى خراب الهيكل . ويقول الكاتب بانه خلال القرن السادس ميلادي استمر سن القوانين المعادية لليهود وان الضغوط على اليهود في فلسطين واماكن اخرى كانت مستمرةً وخصوصاً ضد السامريين . وكان تمرد السامرين ضد البيزنطيين قد لقي فشله خلال نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس .غير انه ليس هناك ذكر لمحاولة تمرد اليهود ضد البيزنطيين في مصادر تاريخية اخرى.
أما بالنسبة الى العهد البيزنطي يذكر الباحث الاسرائيلي زئيب روبين بانه في عام 324 ميلادي اعتلى الحكم الروماني الامبراطور قوسطنطينوس جيث جعل مدينة بيزنطيون (قسطنطينو بولس) على ضفاف البسفورعاصمة الامبراطورية وجعل المسيحية دين الامبرطورية بما في ذلك القدس – مدينة المسيح . لا تشير المصادر اليهودية الى اي معالم او تحرك حضري يهودي في المدينة في تلك المرحلة حيث استمر منعهم من دخول المدينة
اما بالنسبة للقرن السابع الميلادي يقول الباحث كان هناك نزاع وحروب ضارية بين الامبراطورية الرومانية الشرقية ومملكة فارس وفي السنة الرابعة للحرب بين الطرفين التي بدات عام 600 احتل الفرس القدس بقيادة القائد شاهر براز بعد محاصرتها 20 يوماً . تشير المصادر لتلك الحقبة بان اليهود قاموا بمؤازرة الفرس طمعاً باعادة مقامهم في القدس وللسماح لهم بالعودة للاستيطان في المدينة وشاركوا في المذابح ضد المسيحيين ويشير المؤرخ سطرتغيوس بان اليهود استمروا بذبح المسيحيين حتى عندما كل الفرس من القيام به . يقول الباحث روبين بان لهذه الرواية جذور رغم المبالغة فيها حيث خضع اليهود على امتداد اجيال الى الاهانة والمطاردة من قبل المسيحيين .
وعندما دخل الروماني هراكلوس القدس عام 629 قام رجاله بقتل العديد من اليهود الذين تواجدوا حول القدس وبالجليل وطردوا من القدس ومنع اقترابهم من المدينة لبعد ثلاث اميال . من هنا فان المحاولة لتجديد الوجود والسيطرة اليهودية في القدس ايام الحكم الفارسي قضت على اخر احلامهم لاعادة يهودية المدينة.
وفي عام 638 ب.م جاء العهد الإسلامي حيث فتحت القدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأعيد بناؤها من جديد بما في ذلك باحة الحرم الشريف، وبناء المسجد الأقصى. وخلال السيطرة الاسلامية في مراحلها المختلفة ولغاية انتهاء الحكم العثماني على القدس عام 1917 سمح لليهود باقامة مساكنهم وبناء كنسهم ومدارسهم الدينية فيها.
يقول الكاتب اليهودي أليك اسحاق في نشرة للوكالة اليهودية انه "عندما نلقي نظرة من القرن العشرين الى الحروب الصليبية لا بد ان تلاحظ الفرق بين الصليبيين وبين صلاح الدين. فبينما قام الصليبيون عام 1099م بتدمير المدينة وحرق الكنيس والسكان اليهود والمسلمين قام الايوبيين باحتلال القدس بشكل مختلف حيث لم يقم بمذابح وسمح بحرية العبادة لليهود والمسيحيين واعطى الامان لمن اراد البقاء في القدس والحماية لمن اراد ان يرحل عنها".... "وخلال القرنيين الثاني والثالث عشر بدأت الجالية اليهودية في القدس بالانتعاش وكان ذلك نتيجة التسامح الاسلامي مع اصحاب الديانات السماويه – اليهود والمسيحيين – واعتبارهم اصحاب ذمه واعطاءهم الامتيازات المناسبة . فبينما اعتبرت المسيحية انها البديل لليهودية وتتناقض معها وان الله فضل المسيحيين ورفض اليهود.آمن المسلمون بان التوحيد والرساله الاسلامية هي انسانية شموليه وتستطيع استيعاب المسيحية واليهودية وتترك لهم الخيار بالممارسات الدينية" .
الصلة اليهودية الدينية بآثار الهيكل
تشير الانسكلوبيديا "جودايكا" بانه منذ خراب الهيكل وسقوط ثورة بار كوخبا عام 132 م يصلي اليهود في البلاد وفي المهجر باتجاه الهكل المهدوم. وتشير مصادر "المدراش" في تلك الفترة الى الحائط الغربي "لقدس الاقداس" والذي حسب التقاليد اليهودية لم تتركه "الشخينه" (اي الروح الالهيه ) وحيث ان الهيكل قد هدم فتبقى الشخينه متصلة بالحائط المتبقي. ورغم ذكر اليهود للمكان المقدس الا ان الحائط الغربي لم يذكر في كتاباتهم لغاية لوائح "احماز بن بالتئيل" عام 1050 ميلادي وكذالك ذكره بنجامين من توديلا في القرن الثاني عشر وقرنه بباب الرحمة والواقع في الحائط الشرقي لساحة الحرم الشريف. وتشير جودايكا بان اسم الحائط الغربي بدأ بالتواجد في التراث اليهودي حوالي عام 1520 ميلادي اما أثر هجرة اليهود من اسبانيا واما بعد سيطرة العثمانيين على القدس عام 1517. وحسب التقاليد اليهودية كما نقلها موزس حافتص كان ذالك السلطان سليم (والد سليمان القانوني) الذي اكتشف هذا الحائط (اي حائط البراق) وسمح لليهود ان ينتقلوا بصلاواتهم من الحائط الشرقي الى الحائط الغربي.
أما الانسكلوبيديا البريطانية حول الحائط الغربي / الانسكلوبيديا اليهودية فتؤكد بان اهمية حائط البراق والمنسوب الى حائط المبكى ظهرت حديثاً فخلال فترة الحكماء اليهود (Geonim) في الاعوام 589 – 1038م كان جبل الزيتون المكان المفضل لتجمع اليهود . صحيح ان بنيامين تودلا ذكر الحائط الغربي في القرن الثاني عشر غير ان هذا الحائط لم يذكر من قبل عشرات الزوار والحجاج للقدس في القرون الوسطى . لقد بدأ ذكر هذا الحائط كمكان مقدس وهام لليهود فقط بعد قدوم العثمانيين الى القدس عام 1517 . ويذكر هذا المصدر بان اهمية هذا المكان ازدادت لدى اليهود لقربه من الوجود اليهودي في القدس ولسهولة الوصول اليه . وهكذا بدأ اليهود يهتمون بالمكان واعطوه صفة المعالم التاريخية لهم كما جاء في تراثهم واصبح يذكر في كتبهم وكتاباتهم ليس في القدس فحسب بل في انحاء التواجد اليهودي. ومع انتهاء القرن التاسع عشر اصبح الحائط رمزاً للوجود اليهودي ولاطماعهم الوطنية .
ويستشهد المصدر بتأكيد الباحثة كارين ارمسترونغ Jewish heritage , Jerusalem)) بانه لغاية عهد المماليك وفي القرن الخامس عشر كان اليهود يصلون مقابل جبل الزيتون ولقد سمح لهم المماليك حفاظاً على امنهم ان يصلوا قرب الحائط الغربي وحسب تقديرها لم يزد عدد السكان اليهود انذاك عن 70 اسره . وعنما جاء العثمانيون وتقلدوا زمام الحكم بعد المماليك في القدس سمح سليمان القانوني في القرن السادس عشر لليهود ان ييسكنوا في القدس وزاد عددهم الى حوالي 1600 نسمة من مجموع 13300نسمة . وتقول ارمسترونغ انه رغم محاولة الكهنة اليهود ابقاء القدس في ذاكره اليهود بعد خراب الهيكل الا ان ملايين اليهود الذي سكنوا في انحاء الامبروطورية الرومانية لم يكن لهم صلة بالقدس ولم يكن لخراب الهيكل أثر على حياتهم اليومية .
يشير المؤرخ الجغرافي الإسرائيلي يهوشوع بن أريي على ان قدرة اليهود للوصول إلى حائط البراق، وحصولهم على إذن للصلاة هناك وأعداد المصلين تغيرت وتقلبت دوما خلال القرن التاسع عشر. ولكي يثبت هذا الاستنتاج قدم بن أري عدة شهادات لرجال الدين وأكدوا أو شهدوا هذه التغيرات. يشهد "سيتزن " رحالة ألماني لدى زيارته للقدس عام 1806 أن اليهود لم يتمكنوا من زيارة المبكى إلا بإذن من السلطات (العثمانية). ولكن هناك تسجيلات للجالية الشرقية اليهودية (سفراديم) تشير بان اليهود قاموا بتنظيف رصيف المبكى عام 1768 وكذلك عام 1812 وعام 1815 . ويقول الراهب البريطاني روبنسون بعد أن زار القدس خلال الحكم المصري لفلسطيني وللشام بأنه أذن لليهود الاقتراب من مكان هيكلهم والصلاة والبكاء على باقي أنقاظه وهو حائط في منطقة ضيقه محاطة بحيطان . عندما عاد العثمانيين إلى القدس بعد طرد المصريين لم يمنع اليهود من زيارة الحائط ولكن عندما طلب اليهود تبليط أرضية رصيف الحائط عام 1840 رفُض طلبهم على اعتبار أن هذا الرصيف تابع إلى وقف أبو مدين (حارة المغاربة ) وهو وقف إسلامي غير انه سمح لهم بالاستمرار بزيارة الحائط . ويذكر المؤرخ البريطاني "سيتورت " بعد زيارة للقدس عام 1854 بان اليهود قاموا برصف الرصيف المحاذي لحائط البراق بعد أن أُذن لهم من قبل الحكم العثماني وصرح أنذاك الثري اليهودي مونتفيوري لزعامة اليهود في بريطانيا بأنه حصل على فرمان عثماني يسمح لليهود إقامة مظلة فوق رصيف الحائط .
موقع الحائط الغربي للهيكل
يشير الباحثه دولفن وكولن بان هناك نظريات اسرائيلية متضاربة حول مكان الهيكل في القدس ولكن هناك مؤخراً ثلاث نظريات رئيسية يتم الجدل حولها والبحث فيها لايجاد الادلة المفقودة. غير ان هناك مجموعات يهودية متذمتة تريد تحديد المكان من اجل بناء الهيكل الثالث عندما تسمح بذلك الظروف السياسية . وهذه النظريات الثلاث هي :-
1. المكان الحالي لمسجد قبة الصخرة. وهذا المكان هو المكان التقليدي المتداول بين الباحثين اليهود.
2. بناءاً على اقتراح عالم الفيزياء (اشر قاوفمان ) فإن الهيكل كان يقع شمال مسجد قبة الصخرة.
3. ويقترح ( طوبيا ساجف) مهندس معماري من تل ابيب ان الهيكل كان يقع في الجنوب من مسجد قبة الصخرة ويدعي ان لديه الادلة الكثيرة التي تشير الى هذه النظرية .
نظرية الموقع الجنوبي :
جائت هذه النظرية بخلاف الاعتقاد التقليدي لوجود الهيكل مكان قبة الصخرة. من هنا فان الكثير من معتقدي المكان التقليدي تفاجئوا عندما جائت هذه النظرية خصوصآ على لسان المهندس الاسرائيلي طوبيا ساجف بتفاصيل تفند النظريات التقليدية وتطرح بديلا نسبياً جديد. يشير طوبيا بان حصن انطونيا وقع غالباً مكان قبة الصخرة اي ان الهيكل لا يمكن ان يكون هناك حيث كان هذا موقع الجيش الذي قام بهدم الهيكل الى الجنوب . ويشير ايضاً ان جنوب حصن انطونيا كان هناك مستنقع او حفرة مياه واقية لحصن تفصله عن جبل الهيكل .
هناك ايضاً موضوع بوابة "حولده" (الباب الثلاثي) والذي يعتقد بانه كان المدخل الرئيسي الجنوبي للهيكل . يقول طوبيا بانه حسب " المشناه" هناك تقريباً عشرة امتار فارق بالارتفاع بين بوابة الحولده وبين الهيكل وكذلك هناك 39 متر تفصل بين مدخل الهيكل ومستوى الهيكل نفسه . ان هذه الابعاد لا يمكن لها ان تكون مواصفات ابعاد قبة الصخرة حيث نظرية الصخرة تتطلب 20 متراً ارتفاع و 80 متراً فاصل ، اي ان الرؤيا من باب الخليل المطلة على الهيكل وعلى مركزه كان يجب ان تكون بارتفاع 75 لكي ترى الهيكل لو وقع مكان قبة الصخرة وهذا الارتفاع لم يكن ممكن من هنا فان رؤية الهيكل من ذلك الموقع تشير بان الهيكل كان من الجنوب من منطقة قبة الصخرة . هناك ايضاً اشارة الى تزويد الهيكل بالمياه الجارية التي كانت تأتي من جبال الخليل ومن خلال برك سليمان وبقنوات الى مستوى الهيكل لاستعمالها لطهارة الرهبان ، تشير الدراسات الميدانية بانه لم يكن يمكن لهذه القنوات ان تصل الماء الى الهيكل لو كان مكانه فوق قبة الصخرة وبفارق من 20 م الى الاسفل اي الى الجنوب .
اما الباحث الامريكي ارنست مارتن فلخص ابحاثه في كتاب مفصل يثبت فيه بان حائط البراق هو ليس الحائط الغربي لهيكل سليمان ولقدس الاقداس وان حائط الهيكل وكل الهياكل يقع الى الجنوب الشرقي للمسجد الاقصى بقرب ينابيع مياه سلوان الملقبة بالجيحون. ويدور كتابه حول موقع الهيكل او "مجموعة من الهياكل " اي اكثر من الهيكل الاول والثاني وكذلك هيكل هيرود والذين بنيوا حسب بحثه في اماكن مختلفة من القدس التاريخية ولكن ليس على باحة الحرم الشريف كما يدعي البعض "خصوصاً الباحثين الصهاينة".
ويؤكد الكاتب ان اسرائيل زمن الهيكل كانت تقترب الى الرب من الشرق وليس من الغرب كما يدعون الآن، وان نظريتهم الحالية بعيده عن الصحة لان حائط المبكى الحالي هو الحائط الخارجي للحرم وليس له علاقة بالحائط الغربي لقدس الاقداس . فان اسوار الحرم كانت جزء من حصن انطونيا وان الاسوار الاربعة للحرم ليس لها علاقة بهيكل هيرود . هناك حائط غربي فعلا موجود في الموقع السابق للهيكل وان بقاياه مدمرة ومبعثرة ولكن يمكن معرفتها في بعض المواقع . ويستشهد الكاتب بيهودا ناديش في كتابة "اساطير يهودية" والذي يعلق على المغالطة بين حائط الهيكل وسور الحرم الشريف ويؤكد ان الحائط الغربي الحالي لم يكن له علاقة بقدس الاقداس .
هناك ايضاً موضوع بوابة الرهبان والتي ذكرها اليهود في القرن الخامس وكانت في الجزء الجنوبي قرب نبع جيحون . ومن الملاحظ ان بوابة الرهبان لم تذكر في اي سجل تاريخي بالنسبة للهياكل من هيرود وحتى سليمان القانوني . بوابة الرهبان كانت بوابة جديده سمع عنها في سجلات يهودية في زمن البيزنطيين وذكرت عدة مرات كبقعة جغرافية في وثائق جنيزه التي تحدثت عن امور يهودية في القدس من سنة 638 وحتى 1099 ميلادي. ويستشهد الكاتب بالباحث السرائيلي موشي غيل والذي كتب بانه لا توجد اشارة في "المشنه" الى بوابة الرهبان ولا في "الميدوت" التي تقدم توضيحاً للهيكل ولجبل الهيكل او في اي رسالة اخرى . ويقول غيل هناك تفسير قسطنطيني يعود الى الفترة البيزنطية يتحدث عن بوابة الرهبان .
ويعلق مارتن ويقول بان غيل يؤكد بان الحي اليهودي الواقع جنوب وجنوب شرقي القدس كان مجاوراً لبوابة الرهبان وعاشت فئة الربانيين من اليهود قرب والى جانب بوابة الرهبان بينما عاش القراءون اليهود الى الشرق والجنوب . ويستنتج بقوله بما ان اليهود كانوا يعبدون الاله بمواجهتمهم له – فقد وقفوا امامه في الناحية الشرقية لقدس الاقداس ( او الى شرق هذا : بوابة الرهبان ) ثم ان بقايا الحائط الغربي كانت تقع غرب بوابة الرهبان وان "الشخينه" (الروح الالهية) كانت عبر الحائط لذا عبد اليهود الاله من الناحية الشرقية للحائط وليس من الجانب الغربي . ويؤكد الكاتب ان تسمية بوابة الرهبان تعود الى قسطنطين / جوليان في القرن الرابع . المهم في الامر ان الدراسات تشير بان بوابة الرهبان مذكورة عدة مرات في رسائل جنيزه بانها تقع قرب الحي اليهودي في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة . كانت بوابة الرهبان جزءاً من الحائط الغربي الباقي من قدس الاقداس من هيكل قسطنطين / جوليان ولم تكن ابداً جزءا من الحائط الغربي الخارجي للحرم الشريف – حيث يحاول معظم الباحثين اليهود وضعها هناك اليوم .
حائط البراق ملكية اسلامية غير متنازع عليها
بعد طرد الصليبيين من القدس واستتباب السيطرة الاسلامية على المدينة اصدر الافضل ابن الفاتح صلاح الدين الايوبي فتوى عام 1193 اعتبر الأرض المحيطة بحائط البراق وقف إسلامي على اسم شعيب أبو مدين لصالح الحجاج المغاربة الذين بنوا واستوطنوا فيها. لقد تم بناء بيوت حارة المغاربة 4 أمتار بعيداً عن حائط البراق. وفي عهد السلطان سليمان بني سور القدس المعروف لنا اليوم ولما اكتشف السلطان معالم حائط البراق (حوالي عام 1540) طلب من مهندسة سنان ترميم المكان. وفي النصف الثاني للقرن السادس عشر سمح السلطان سليمان لليهود بالصلاة بمحاذاة هذا الحائط. وخلال العقود التالية تم اعمار المنطقة المحيطة بالحائط وأصبح الدخول إلى هذه المنطقة من خلال ممر ضيق عبر حارة المغاربة.
أما بالنسبة للخلافات الإسلامية اليهودية حول كيفية الصلاة أمام حائط البراق (المبكى) والترتيبات المسموح بها فوصلت أوجها في عام 1928 عندما تعارك اليهود مع الشرطة الانجليزية التي منعت اليهود إحضار ستائر لتفصل بين الرجال والنساء وتبعها المعركة الدموية التي جرت انذاك بين اليهود والمسلمين وآدت بحياة المئات من الطرفين مما حث حكومة المملكة المتحدة – بريطانيا إلى تكليف لجنة ملكية خاصة بمقام الحائط وشروط صلاة اليهود أمامه سميت باللجنة الملكية.
اشارت هذه اللجنة في تقريرها الذي نشر عام 1930 إن امتداد المنطقة المتنازع عليها 30 متر على طول الحائط الخارجي للبراق وان أمام (محاذات) هذا الحائط هناك رصيف ممتد ومدخله الوحيد من الجهة الشمالية لزقاق متصل بشارع الملك داوود. اما من الجهة الجنوبية فهناك حائط مغلق متصل ببعض البيوت الاسلامية وجامع البراق. وفي عام 1929 أقيمت بوابه لتمكين السكان ورواد الجامع المرور من خلاله.
واشارت اللجنة بأن المساحة الملتصقة بحائط البراق (المبكى ) تعتبر وقف إسلامي أمر به الملك أفضل ابن صلاح الدين الأيوبي. وحول عام "1320". اعتبرت البيوت الملتصقة بالساحة العتيقة المحاذية لحائط البراق وقف لأبو مدين واسمها حارة المغاربة حيث أوقفت للحجاج القادمين من المغرب.
وخلال مناقشة الأبعاد المختلفة للخلاف الإسلامي - اليهودي حول حائط البراق استشهدت اللجنة الملكية بعدة مصادر بريطانية ورسمية أخرى من أهمها ما قالته لجنة " شو- show" في تقريرها حول المطالب اليهودية فيذكر هذا التقرير أن وعد بلفور كان محرضاً لليهود لتقديم إدعاءات لحقوق غير قائمة أساساً وليس لديهم الأدلة لإثباتها ولكنهم واثقون من التدخل الخارجي لصالحهم وأيضا وصلوا لاستعمال القوة كما فعلوا في ساحة البراق عام 1929 (صفحة 73).
هناك أيضا تصريحات أدرجت في ما يسمى "white paper" في تشرين ثاني 1928 بما في ذلك تأكيد كون الحائط قانونياً مُلك للمسلمين وان الرصيف أمامه وقف إسلامي ورغم أن لليهود صلة دينية وثيقة بالحائط إلا أن الإدارة البريطانية تؤيد المطلب الإسلامي بإلزام اليهود عدم إحضار أي علامات تخل بالملكية الإسلامية وان الترتيبات الذكية لهذه الأمور تبقى كما هي عليه وان على سلطة الانتداب إجبار اليهود للانصياع للمطالب الإسلامية بهذا الخصوص .
وخلال التحقيقات التي اجرتها اللجنة المكية قام الكولونيل سيمس من قوى امن الانتداب باعطاء شهادة مطولة منها ما يلي: "كان اليهود معتادون على الذهاب الى الحائط الغربي للبكاء على سقوط عظمة اسرائيل. غير ان هذا المكان تابع للوقف الاسلامي ورغم السماح لهم للذهاب الى هناك لم يكن لليهود الحق القانوني لعمل اي شيء قد يعطي النطباع بأنهم يملكون المكان". "ورغم التعاطف الكبير لادارة الانتداب مع هؤلاء اليهود غير انه من واجبنا الحفاظ على الوضع القائم وعليه عندما حاول اليهود ادخال المقاعد الى باحة البراق اضطرت الشرطة منعهم من ذالك حيث ان تصرفهم لم يكن ضمن حقهم القانوني".
وبناء على نقاشات مطولة حول قدسية الحائط والرصيف من امامه وجهود التوصل إلى توافق بين وجهتي النظر اصدرت اللجنة الملكية حكمها واللذي يتضمن اللتالي:
يعتبر حائط البراق بشكل قاطع ملك للمسلمين وهو جزء لا يتجزأ من باحة الحرم الشريف والتي هي وقف إسلامي غير متنازع عليها . كذلك إن الرصيف المحاذي لحائط البراق هو ملك للمسلمين وكذلك حي المغاربة المتلاصق برصيف حائط البراق والذي يعتبر وقف إسلامي وان جلب بعض الادوات والحاجات المستعملة لاداء الصلاة من قبل المصلين اليهود الى الرصيف لا يمكن استعماله من قبل اليهود كاثبات ملكية للحائط اوالرصيف. ومن الناحية الاخرى يجب ان تكون لليهود امكانية زيارة هذا الحائط لاداء شعائرهم الدينية بشكل حر وفي جميع الاوقات ما عدى الاوقات المتعلقة بترميم المكان. ويمنع المسلمون من إقامة أي مبنى يلغي الرصيف أو يمنع اليهود من التعبد امام الحائط. لا يجوز لليهود احضار مقاعد او سجاد او فرش من اي نوع او ستائر او خيم او حائط مؤقت وذالك بشكل قاطع.
بناء على ما جاء في هذه الابحاث المختصرة يمكننا ان نلخص بما يلي. بخلاف ادعاء بعض الرموز الاسرائيلية لم يكن هناك تواصل تام للوجود اليهودي الجماعي في القدس بعد خراب الهيكل الثاني حيث طردوا وابعدوا عن المدينة حوالي 500 عام على يد الرومان والبيزنطينين وكذالك حوالي مائة عام خلال الحكم الصليبي. لم يكن التواجد اليهودي الجماعي في القدس آمنآ الى تحت راية الحكم الاسلامي منذ بدايتة وبعد تخليص القدس من الصليبيين على يد الفاتح صلاح الدين مرورآ بعهد المماليك بعد حكم الايوبيين ومن ثم خلال الحكم العثماني لغاية نهايته عام 1917 . لقد سمح المسلمون لليهود خلال ما يقارب 1300 عامآ للاقامة في القدس بشكل جماعي واقامة شعائرهم الدينية بشكل آمن بما في ذالك مقابل السور الشرقي ومن ثم في زمن العثمانيين قبالة السور الغربي للحرم الشريف اي حائط البراق.
ومن الجدير بالذكر بأن اعتبار الحائط الغربي للحرم الشريف هو الحائط الغربي للهيكل لهو امر نسبيآ جديد في المعتقدات والكتابات اليهودية ولا يزال رهن البحث.
لقد بدآت الخلافات حول صلاة اليهود قبالة حائط البراق فقط عندما جائت الحركة الصهيونية الى فلسطين وبدأت بتحريض يهود القدس على تحدي الترتيبات القائمة واستفزاز المسلمين بأجرائات جديدة من شأنها التعدي على ملكية حائط البراق وما حوله من اوقاف اسلامية. لقد جائت احكام اللجنة الملكية البريطانية عام 1930 لتؤكد على الملكية الاسلامية المطلقة لحائط البراق وما امامه من باحة وسكن.
أما ما قامت وتقوم به سلطات الحتلال السرائيلي منذ احيلال القدس عام 1967 من توسيع لساحة البراق على حساب هدم حارة المغاربة وتوسيع حارة اليهود اضعاف حجمها التاريخي لهو امر يحتاج الى بحث آخر ولكن يمكن تلخيصه بأنه مناف للقانون الدولي ولقرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة والتي تعتبر هذه الممارسات لاغية وليس من شأنها الغاء الملكية الاسلامية لحائط البراق وما من حوله من احياء عربية الملكية.