نفهم أن يكون القذافي بدون أية تغطية إعلامية مساندة على الإطلاق، عربيا وعالميا، فتلك نتيجة لما صنعت يداه، نفهم هذا كله، ولكن مالا نفهمه حقا أن تعيد الصحافة المكتوبة والمرئية في جميع الدول العربية، بكل أطيافها الفكرية والسياسية، وفي مقدمتها مصر العزيزة، على مسامعنا و أفهامنا، ليل نهار، مايعرفه ويلهج به الجميع تقريبا، منذ عقود، عن مساويء نظام القذافي في ليبيا، بل ومساوئه على صعيد الشخصية ونمط قيادته السياسية، وأسلوب إدارته للأحداث الأخيرة، وما جرته من ويلات، كل هذا بينما تتلاحق الأحداث منذرة بما هو خطير من الأمر على (الدولة) العربية الليبية وليس على مجرد النظام والشخص ومن لف لفّه من شخوص.
ألم يتعلم المثقفون العرب من درس العراق، وخاصة إبان (حرب الخليج الثانية) التي بدأت بغزو صدام حسين للكويت في الثاني من أغسطس عام 1990، وانتهت بحرب من أمريكا وحلفائها العرب والأجانب لطرد قوات قوات صدام حسين من الكويت، اعتبارا من 17 يناير 1991..!
واليوم يتفق المثقفون العرب على معارضة معمر القذافي، بدون أي أثر حقيقي لمعارضة نوايا التدخل العسكري الأمريكي-الأوربي في ليبيا، تمهيدا لإشعال أوار الحرب الأهلية في هذا البلد العربي العزيز.
واليوم يتفق المثقفون العرب على معارضة معمر القذافي، بدون أي أثر حقيقي لمعارضة نوايا التدخل العسكري الأمريكي-الأوربي في ليبيا، تمهيدا لإشعال أوار الحرب الأهلية في هذا البلد العربي العزيز.
واليوم أيضا نتعرض لامتحان مشابه للامتحان العراقي عام 1991، في خيار زائف بين القذافي والتدخل العسكري، مثلما واجهناه في خيار زائف بين صدام حسين و أمريكا. وليست قراء التاريخ بأثر رجعي أمرا صالحا، ولكن تجب الإشارة إلى أن المثقفين العرب لم يكونوا ليضعوا أنفسهم في خضم الخيار الزائف بشأن العراق، فلم يكونوا لينقسموا بين مؤيد أو معارض لأحد الطرفين، و إنما ليعارضوا غزو صدام حسين للكويت، ويعارضوا أيضا غزو أمريكا للعراق..ولا تناقض بين الأمرين. فالموقف القومي الحقيقي يتعارض مع مفهوم (الضم بالقوة) بالضرورة، مثلما هو يقضي بمعارضة التدخل الأجنبي في الشأن العربي، دون تململ.
كذلك الحال اليوم. فلسنا مجبرين على الاختيار بين مجرد معاداة القذافي، إن حمل ذلك تأييد مستترا أو ضمنيا أو حتى إكراهيا للتدخل الأمريكي في الشأن الليبي، وبين مجرد تأييد القذافي، إن حمل ذلك تأييدا لاستمرار النظام السياسي (الجماهيري)..!
فنحن إنما نعارض التدخل الأمريكي ونعارض القذافي في نفس الوقت. فإن احتجّ البعض بان استبعاد التدخل الأمريكي يمكن أن يؤدي إلى تدعيم بقاء نظام القذافي إلى أمد غير محدد، قلنا له إن نظام القذافي قد سقط بالفعل، وأنه لم يعد يملك فعليا زمام السيطرة السياسية والعسكرية على ليبيا، إلا قليلا. فإن لم يعلن سقوطه اليوم، فسوف يتم ذلك في الغد القريب. وإنما إن فرض الغرب- بقيادة أمريكا- نفوذه في شأن ليبيا، فلن يخرج منها غدا أو بعد غد..! وإن قال البعض أيضا أيضا إن الغرب وأمريكا مصالحهما آمنة بالفعل في ظل القذافي، لقلنا إنها آمنة بغير طمأنينة..! وإلا لما عملا بكل الجهد على إسقاطه عسكريا هذه الأيام.
ألا ليس الحل بيد الغرب وحلف الأطلنطي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وليست قوى الحل قابعة في نيويورك(حيث مجلس الأمن) أو واشنطون ( حيث البنتاجون ووزارة الخارجية)، أو في استراسبورج (حيث مقر البرلمان الأوربي).!
وإنما يبدأ الحل من بين أيدينا، ولا نملك نحن المثقفين العرب سوى الدعوة إليه بالحسنى، ثم الضغط في سبيله بكل غال ونفيس، وتجنيد قوانا الفكرية والإعلامية من أجله، اعتراضا مجلجلا على استراتيجية الشرّ الأمريكية، وعلى تكتيكات القذافي من أجل مجرد البقاء، في نفس الوقت. و ألا فلندع دعوة جماعية صارخة إلى كفّ أمريكا وحلفائها عن التدخل العسكري، و دعوة المعارضة إلى التعقل و إلى بلورة موقف فكري وسياسي قابل للمناقشة العلمية، ودعوة القذافي إلى الرحيل.. كلها في نفس الوقت..!
فهل نفعل ويفعلون..؟