ألا يسمع المسؤولون الفلسطينيون نداءات الشعب الفلسطيني بكل فئاته الاجتماعية وانتماءاته السياسية بضرورة إنهاء الإنقسام الداخلي، وإتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية، والعودة إلى الإطار الوطني الفلسطيني الجامع الواحد، ألم تصل إلى مسامعهم هتافات الفلسطينيين المدوية في داخل الوطن وفي الشتات، "نعم لإنهاء الإنقسام الداخلي الفلسطيني"، ألم يشاهدوا المظاهرات الشعبية في مختلف المدن الفلسطينية وهي تطالب بالوحدة الفلسطينية، ألم تطرق آذانهم صيحات الشباب الفلسطيني ونداءاته المستمرة بضرورة الوحدة، وإلا فإنهم سيواصلون خروجهم إلى الشوارع والميادين العامة للضغط عليهم من أجل الوفاق والإتفاق، وأنهم سيعتصمون في الميادين، وأمام المقرات الحكومية والمؤسسات العامة، لضمان وصول صوتهم إلى المسؤولين وأصحاب الشأن.
ألا يدخل المسؤولون الفلسطينيون إلى صفحات التواصل الإجتماعي عبر شبكة الانترنت، ليروا عدد الفلسطينيين الذين يطالبون بإنهاء الإنقسام، وأعداد العرب والمسلمين المتزايدة، التي تؤيد مواقفهم، وتضم أصواتها إلى أصواتهم، وتعزز مطالبهم بضرورة الوحدة وإنهاء الإنقسام، أم أنهم لا يشاهدون الفضائيات العربية والأجنبية، التي تنقل صور المعتصمين والثائرين والغاضبين والمتظاهرين في مختلف المدن الفلسطينية، ألا يقرأون الشعارات المرفوعة، أما يسمعون الهتافات التي لا تنقطع، والأصوات التي بحت وهي تهتف، ألا يقرأون ما تكتبه الصحف، وما يشارك به رواد المنتديات الإلكترونية.
ألا يتعلم المسؤولون الفلسطينيون ويأخذون العبرة مما يجري حولهم، فيتعظون من مصائر الحكام والقادة الذين يتساقطون كل يومٍ في عواصم بلادهم كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية، أتت عليها رياحٌ صرٌ شعبيةٌ عاتية، فباتوا يسقطون وهم في قمة المجد الذي يدعون، ووسط هالة القوة التي يعتقدون، وبين جندهم الذين يحسبون أنهم لهم عبيدٌ وغلمان، يؤمرون فيطيعون، ويطلب منهم فيستجيبون، أليست لهم عقولٌ يتعظون بها، وآذانٌ يسمعون بها، وعيونٌ يرون بها، أم على قلوبٍ أقفالها، وقد ختمت آذانهم وعلت الغشاوة أبصارهم، فلم يعودوا يدركون ما يجري حولهم، ولا ما يصيب زملاءهم.
إنهم يكذبون على أنفسهم عندما يعتقدون بأن الغد والمستقبل كله لهم، وأن ما بين أيديهم من قوة ستحميهم، وستحول دون سقوطهم بل واندثارهم، أو مساءلتهم ومحاكمتهم، أفلا يحاولون استباق النتائج الحتمية، وتجاوز المصائر الجبرية، والنجاة من نهايةٍ مخزية تتعقبهم، ومصيرٍ أسود ينتظرهم، فيصلحون ما أفسدوا، ويعالجون ما ارتكبوا بحق شعبهم من أخطاء، ويؤسسون من جديدٍ لمستقبلٍ فلسطيني واعد، فالشعب الفلسطيني لن ينتظر طويلاً تجاه مأساته المحزنة، ولن يسلم بانقسامه وتشتته كانقسام قادته ومسؤوليه، بل إن وقفته ستكون قريبة، وانتفاضته ستكون قوية، وانتقامه ممن شوه تاريخ قضيته سيكون مروعاً، ويومها سيفضح كل المتآمرين، وسيميط اللثام عن كل الفاسدين المستفيدين من استمرار الإنقسام، وعرقلة الإتفاق.
ألا يدرك قادة العمل الفلسطيني أن شعوبهم أصبحت تتطلع بغبطةٍ وغيرةٍ إلى أشقائهم من الشعوب العربية الثائرة، التي نجحت في إقصاء حكامها، ومحاكمة الذين أجرموا فيهم، والذين أساؤوا إلى شعوبهم، وسرقوا مقدرات وخيرات بلادهم، وتآمروا مع عدوهم ضد مصالح شعبهم وأمتهم، فاستجابوا لمصالح العدو، وخضعوا لشروطه وإملاءاته، وحققوا له أجندته، فالشعوب ومنها الشعب الفلسطيني، أصبحت تعيش زمن التغيير، وباتت تدرك مدى قوتها، وتعرف قدرتها على الصمود والثبات في الشوارع والساحات والميادين، وقد باتت تمتلك الخبرة والمعرفة والإرادة، ولديها من وسائل التعبير ونقل الكلمة والصورة، ما يجعل ثورتها وانتفاضتها هي الأقوى والأكثر فعلاً وتأثيراً، فقد بات الشعب الفلسطيني أكثر وعياً من قادته، وأكثر غيرةً على مصالحه الوطنية من مسؤوليه، وأصبح يمتلك رؤيةً مستقبلية لقضيته، وعرف أن الإنقسام يزيد في عمر الاحتلال، ويمكن له أكثر في البلاد وبين العباد، وأنه يؤخر التحرير ويباعد في زمن العودة، وأنه يشوه صورة الشعب الفلسطيني، ويسيئ إلى نضالات وتضحيات الذين سبقوا، ويخون دماء الشهداء، ويفرط في أمانة الأسرى، وأنه يدفع بالشعب الفلسطيني نحو اليأس والقنوط، والقبول بخيارات الهجرة واللجوء والترحيل، والبحث عن الأوطان البديلة، والدول المستضيفة.
الفلسطينيون يحلمون بأشياء كثيرة، ويتمنون أخرى أكثر، ولعل أعظمها وأسماها وأولها هو التخلص من الاحتلال، وتفكيك مستوطناته ومستعمراته، ورحيله ومستوطنيه عن أرضه، تمهيداً للعودة وإقامة الدولة، واستعادة الأرض كلها وتطهير المقدسات المسيحية والإسلامية كافة، ولكنهم يدركون أن هذا الحلم بعيد المنال، وصعب التحقيق في ظل حالة الفرقة والانقسام والتشظي الفلسطينية، فالإنقسام حلمٌ إسرائيلي، وهو هدفٌ يعملون من أجل بقائه واستمراره، ويبذلون أقصى وسعهم لاستمراره، ويحاربون كل من يحاول إنهاءه، ووضع حدٍ له، ويعرقلون كل وسيلةٍ تتجاوزه، وهو غاية أعداء هذا الشعب، وأمنية المتآمرين عليه، والخائفين من وحدته، والتفاف أبنائه، وتراص صفوفه، ومواصلة مقاومته.
وبالمقابل فإن الإنقسام أضحى حاجة لبعض الفلسطينيين المستفيدين من استمراره، والعاملين على بقاءه، الذين يغتنون منه ويكتنزون المزيد من المال من وجوده، ويبذلون جهدهم لتأصيله، لتبقى جيوبهم عامرة، ومصالحهم جارية، وكراسيهم محفوظة، وكلمتهم مسموعة، فمناصب ومراكز هؤلاء وأؤلئك محفوظةٌ ما بقي الإنقسام، ومستمرةٌ ما تعمقت الفرقة، إذ لامكان لغير المخلصين في ظل الوحدة، ولا سلطة لغير الصادقين في ظل الاتفاق، ولا صوت يعلو فوق صوت الذين ضحوا من أجل وحدة أرضهم، وسلامة شعبهم، فهذا ما يدركه الفلسطينيون الساعون للوحدة، والرافضون للإنقسام، والعاملون بجدٍ لضمان رحيل الاحتلال، إذ لا سبيل لدحره وطرده في ظل الفرقة والإنقسام، ولهذا يهتفون بعالي صوتهم، الشعب يريد إنهاء الإنقسام، فهل يدرك قادة الفصائل الفلسطينية أبعاد هذا الشعار، فيحمون أنفسهم ومن يحبون من خاتمةٍ لا تختلف في كثيرٍ عن مصير قادةٍ وحكامٍ مازالت آثارهم باقية آيةً للعالمين لم تندثر.