في لبنان، اعتدنا ذلك منذ زمن طويل: كلما جاء عهد جديد تزاحمت الناس على درجات قطاره. وكلما زال عهد انصرفت الناس عنه، كأنما لا عهد ولا عهود. وتكرارا، هذه طبائع البشر. فهم مكونون من رغبات ومخاوف وضعف. وفي بلادنا كل شيء مرتبط بالدولة والنفوذ، مهما كبر المواطن أو اغتنى.
رغم ذلك يبدو الإسراع إلى تغيير المحطات والقطارات مضحكا. المتسارعون والمتزاحمون إلى ركوب قطار «25 يناير» في مصر، يتدافعون بطريقة عجيبة. المتنصلون من العهد الماضي يهرعون إلى ميدان التحرير لالتقاط صورة تذكارية تعلق في صدر الدار. والباحثون عن تذاكر للقطار الجديد ضاعفوا أسعارها في السوق السوداء.
هناك أكثر من فئة. أولها فئة الصادقين. أي الذين كانوا يعارضون عهد الرئيس مبارك على درجات متفاوتة ويعادون الحزب الحاكم ومحسوبياته ورعونة بعض أعضائه وسلوكه المسيء للنظام. فقد أساء «الاتحاد الاشتراكي» إلى الناصرية بالتزمت، وأساء حزب جمال مبارك بـ«الانفلاش». وهناك الفئة التي لم تكن راضية، لكنها اختارت قاعدة «الصمت زين والسكوت سلامة». واختارت تجنب الإهانة وعسف أمن الدولة. والآن تجد فرصتها في التعبير مما صبرت عليه طوال سنوات. وهذه فئة تعرف في دول العالم الثالث بـ«الأكثرية الصامتة» لأن جدران هذا العالم مصنوعة كلها من الآذان.
وهناك فرقة النط. أو القفز من قطار إلى قطار. تراها في القطار الذاهب وفي القطار الآتي، في الدرجة الأولى وفي الدرجة «الترسو» وعلى الأدراج. وأحيانا على السطوح. وفي متابعتي للمشهد المصري تختلط علي الأمور. ولكن رغم كل ما فيه، فهو أكثر احتراما ولياقة من المشهد السياسي الفاقع في لبنان.
ثم هناك ذوو الاتزان. الرجال الذين تصرفوا بكل احترام للنفس، قبل وبعد. وهؤلاء يتوقف القطار عندهم. وفي ساعات التغيير يصغى إلى حكمتهم، ويُتعظ بأخلاقهم. وأتمنى على هؤلاء أن يتذكروا رضا هلال. لم أعرف الرجل إلا من كتاباته ومن رسائل تبادلناها عبر الدكتور مأمون فندي. لكنني كنت من قرائه، أينما رأيت توقيعه. وإذ تُكشف الآن أوراق أمن الدولة، أتمنى، مع رئيس تحرير هذه الجريدة، العثور على رضا هلال. لقد قصّرت مصر في حق كاتب كبير عندما أهملت قضيته وسلمتها للنسيان. والآن وقد تغير العهد، تذكروا رضا هلال. لم يكن عابرا في الصحافة المصرية.