تتعارض تشريعات قانون الطوارئ الحالي مع نصّ المادة الرابعة هذه، وهو ما سنبينه بالنقطتين الآتيتين:
أولا: جرى على تطبيق قانون الطوارئ 48 عاماً وبذلك فقد الصفة الاستثنائية المؤقتة بعكس ما أجازه العهد. فليس من المعقول أن تعيش أجيال وتموت في ظل حالة الطوارئ فهذه الأخيرة تعني وجود حالة طارئة استثنائية ولا يمكن أن تكون دائمة بأي شكل من الأشكال.
ثانيا: وجود تعارض لتشريعات الطوارئ الحالية مع بعض الحقوق الأساسية للإنسان وهو ما يخالف الفقرة الثانية من المادة الرابعة المذكورة أعلاه. وسأعطي بعض الأمثلة على ذلك:
هناك مادة قانونية معمول بها حاليا في سوريا بموجب قانون الطوارئ، ألا وهي المادة 16 من القانون رقم 14 لعام 1969. هذه الأخيرة تُعطي حصانة لعناصر الأمن في حال ارتكابهم جرائم حيث لا يجوز ملاحقتهم إلا بموافقة القائد المسؤول عنهم. فهل يُعقل أن يبقى العمل بهذه المادة منذ عقود، وأن لا يُحاسب أشخاص الأمن رغم اقترافهم لجرائم، في حال عدم موافقة رؤسائهم، ففي هذا تكريس لثقافة الإفلات من العقاب وتعطيل للسلطة القضائية. كما أنّ تشريعات قانون الطوارئ تُجيز الزج بأشخاص في السجن لفترات طويلة جدا ومن دون أية محاكمة أو بموجب محاكمات عسكرية واستثنائية تفتقر لأدنى معايير المحاكمة العادلة كالحق في الطعن والدفاع اللازم...، إلخ. حيث تُجيز تشريعات الطوارئ للحاكم العرفي ( الممثل للسلطة التنفيذية) بأن يُصدق قرارات محكمة أمن الدولة التي لا يجوز الطعن القضائي بأحكامها، وهذا فيه خرق واضح لمبدأ فصل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وكذلك استقلالية القضاء المضمون بمقتضى الدستور السوري ( المادة 131). هذا بالإضافة إلى تقييد الحق في حرية التنقل ومراقبة الإعلام والمخابرات، إلخ.
وبالتالي نرى بأنّ إعمال تشريعات الطوارئ طوال العقود الماضية في سوريا هو غير قانوني ويعود بشكل أساسي إلى عدم استقلالية القضاء أو إلى جهل القاضي بأن العهد الدولي يسمو على القانون الداخلي وهو كما أكّدته صراحة الحكومة السورية في العديد من المحافل الدولية.
وبالعودة إلى التظاهرات السلمية التي تشهدها البلاد حالياً وبالإضافة إلى الضمانات القانونية لها، فقد أكّد وزير الإعلام السوري محسن بلال منذ عام 2008، خلال مداخلة له على تلفزيون الجزيرة في برنامج بلا حدود (المقابلة موجودة على موقع اليوتوب)، بأن الشعب السوري يحق له التظاهر واستبعد على الإطلاق بأن يتم قمع المظاهرات في حال حدوثها. ونفس الأمر أكدته حديثا السيدة بثينة شعبان وأشارت إلى أنّ رئيس الجمهورية لم يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين.
وبالرغم من وجود هكذا ضمانات قانونية وتصريحات حكومية، فقد أسفنا لقمع المتظاهرين السلميين وهو ما أدى إلى سقوط مئات القتلى و الجرحى من أبناء الشعب السوري نتيجة لإطلاق الرصاص الحي عليهم أو حتى عدم حمايتهم من "البلطجية" حيث أنّ واجب الحكومة حماية مواطنيها وضمان حقهم في الحياة. وللردّ على بعض التصريحات الحكومية التي تقول بأنّ استعمال القوة كان فقط ضد عصابات مسلحة، فإننا نسألهم هل المعتصمين المتضامنين مع ضحايا الشعبين الليبي والمصري في ساحة باب توما-دمشق وأمام السفارة الليبية كانوا من المسلحين ؟ وهل أتى المتضامنين وأهالي المعتقلين السياسيين إلى أمام مبنى وزارة الداخلية في حي المرجة بدمشق، يوم 16 آذار/مارس 2011، بأسلحة حتى يتم الاعتداء عليهم بالضرب واعتقال حوالي الثلاثين شخص من بينهم.
ومن هنا نرى بأنه لا مبرر للقمع الذي طال ويطال أبناء الشعب السوري من اعتقالات لمشاركين أو حتى داعين لهذه التظاهرات السلمية التي تُطالب بمكافحة الفساد والرشوة وتأميم الخليوي وإطلاق الحريات العامة ومكافحة الفقر والبطالة وإلغاء قانون الطوارئ، وبالتالي ندعو إلى ملاحقة المسؤولين عن سقوط الضحايا والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين. وأخيرا نأمل من جميع الداعين أو المشاركين بالتظاهرات بأن يبتعدوا عن التخريب والحرق والعنف والطائفية وأن تكون هناك اعتصامات سلمية حضارية من أجل تحقيق هذه المطالب المشروعة جدا والتي يستحقها الشعب السوري بكافة أطيافه وأعراقه.