كان ينقص المشهد «الإنساني» في مجلس الأمن الدموع لتصدق الكلمات التي أعقبت القرار الأممي بالشأن الليبي.
لم يكن الممتنع أقل اندفاعاً من المؤيد في كشف مشاعره «الإنسانية»، وخوفه على المدنيين الأبرياء، الذين يتعرضون لـ«مجازر» القذافي المزعومة.
كانت محاكمة سريعة.
قضاتها المخطِّط والمحرِّض والمنفِّذ. وقد اعتمدت في حكمها على قانون الفوضى الخلاقة، وسنداً على مادة الشرق الأوسط الجديد التي سنها شيمون بيريز.
غابت الوثائق والأدلة. فلم يقدم الادعاء العام صورة لمجزرة. ولا موقعاً مدنياً تم قصفه بالطيران، أو دكه بالصواريخ، أو مسحه على من فيه بالدبابات.
ذلك جرى إنكار صفة التسلح على الضفة الأخرى. وكأن ما يملكه المتمردون من راجمات للصواريخ ورشاشات متوسطة ومدافع هاون ورباعيات مضادة للطيران مجرّد لعب أطفال، لا يحرمهم منها سوى من يجرم بحق الطفولة... حتى ولو نمت في ذقونها اللحى الأفغانية.
لقد اتخذ القرار 1973، وهو عينة لقرارات مقبلة، ستحض دولاً عربية، مقبلة على المؤامرة نفسها، التي تعرضت لها ليبيا.
رغم كل ما أُحيط به القرار من فوضى في الصياغة ومخالفة شرعة الأمم المتحدة، فهو روحاً ونصاً يقرر تقسيم ليبيا. فعندما يهدد القرار الجيش الليبي بقصف دولي، إذا تحرك في اتجاه المدن الليبية، لاستعادتها إلى الشرعية، يكون مجلس الأمن قد قرر أن يبقى كل في مكانه. أي لا الدولة تذهب إلى بسط سيادتها، ولا التمرد يكمل اغتصابه للسلطة.
إذاً القرار يرسم حدوداً لدولتين. ويحددها بتثبيت المواقع ساعة اصداره.
لا شك في أن هذا القرار العبثي يعبث بليبيا وبإرادة شعبها وبتاريخها وجغرافيتها. ويضعها أمام مصير سيهدد مصائر الوطن العربي، وربما، أو حتماً، مصير العالم.
جميعهم، من مؤيدين للقرار وممتنعين عن تأييده أو شجبه من مجموعة «البين بين»، تتملكه شراهة النفط. ومن الغباء أن يجهلوا أنهم يسيرون إلى الحفرة التي حفروها. وهم سيدركون، ولو بعد فوات الأوان، أنهم يشعلون النار في المنطقة الأخطر. وأن الحسابات المخابراتية لا تتطابق دائماً مع الحسابات الشعبية. فالقذافي ليس وهماً جماهيرياً، صنعته أحزاب وهمية، كما هو الحزب الدستوري في تونس، والوطني في مصر. كما أن القذافي الذي قضى حياته معترضاً على تقسيم الوطن العربي، لن يقبل بتقسيم بلاده. وهذا يعني أن ليبيا أمام دورة من الأحداث الكبرى.
وإذا كنا نجهل قوة العواصف الآتية، فإننا نعرف جيداً أن القذافي من الثائرين الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة.
ويبدو أن أميركا لم تستفد من تجربتها المُرّة في العراق. كما يبدو أن الاستعمار القديم، بقطبيه الفرنسي والبريطاني، قد نسي خبرته في شعوب المنطقة وطبائع قبائلها. وهو لا يدرك أنه بمحاولته تفكيك الدولة، يكون قد فتح أبواب الصراع القبلي على النفط والسلطة معاً.
إن القرار الأحمق الذي اتخذه مجلس الأمن، هو بالنتيجة طبخة سامة، لن تتحملها معدة الدول الكبرى التي وعدت نفسها بمأدبة نفطية عامرة.