إن مذابح التوتسي والهوتو كلفت في أسبوعين مليونا من المقرودين التعساء المذبوحين بالسلاسل والسواطير والهراوات وكان يمكن إيقاف المذبحة بخمسة آلاف جندي من قوات الأمم المتحدة كما اعترفت بذلك أولبرخت وكان كلينتون في الرئاسة تلك الأيام.
ويمكن لسيناريو من هذا النوع أن يحدث في ليبيا فهذا ممكن لأن الطاغية هنا مريض نفسيا على نحو خطير يذكر بهتلر ونيرون وبول بوت وستالين وصدام وحافظ الأسد فكلا منهم كان سفاحا من حجم مخيف..
يذكر شبير وزير الإسكان والبناء في الرايخ الثالث أن هتلر أمره في حال موت الفوهرر أن يحرق كل ألمانيا ويمحو الشعب الألماني لأنه مع موت الزعيم فلا قيمة للشعب الألماني؟ وهو ما فعله وزير الدعاية جوبلز بتسميم بناته الستة ثم انتحاره المزدوج مع زوجته فراو جوبلز؟
إن نفسية مثل القذافي يجب أن تدرس من أجل الاستفادة منها للتغيير في أماكن أخرى من غابة العروبة فلا نعلم أنواع الضواري التي سنواجه في هذه السفاري؟
نقول: بقدر جبروت الطاغية بقدر هشاشته الداخلية. والمستكبِر (بالكسر) هو الوجه الآخر للمستضَعف (بالفتح).
ومن مرض بالاستكبار حمل بذرة الاستضعاف في أعماقه. وكلا من المستكبر والمستضعف من فصيلة واحدة.
ويوم القيامة يلعن بعضهم بعضا.
والصورة الملونة أصلها أسود.
وجايكل وهايد شخصيتان متناقضتان اجتمعتا في رجل واحد. مثل وجهي القمر فوجه مضيء يغلي بحرارة 150 فوق الصفر ووجه مظلم بارد لا يصلح للحياة 150 تحت الصفر.
والطاغية وحش مرعب ولكنه في حقيقته أحقر صعلوك.
ومن احتقر الناس احتقر نفسه.
ومن وظف المجرمين والمرتزقة كما فعل القذافي قلب المجتمع عاليه سافله فلم يظهر على السطح إلا السفلة، وخسف بالمجتمع في ليل التاريخ حتى حين، كما حدث مع بلدان البعث وديكتاتوريات الخوف. والطاغية جنسياً هو سادي ومازوخي في آن واحد. ومن انحرف فقد توازنه فعاش على الأطراف.
ونيرون أحرق روما ولكن لم يكن عنده من الجرأة أن يقتل نفسه حينما أحدق به الناس فقتله خادمه. والطاغية ليس رجل مبدأ ليموت من أجل مبدئه بل هو متعلق بالحياة أكثر من حرص الضفدع على حياة المستنقع. ولذا سلم صدام نفسه.
ولتجدنهم أحرص الناس على حياة يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله عليم بالظالمين.
ومن يقتل أصهاره يدفع ببناته إلى الترمل وأحفاده إلى اليتم.
وحسب شهادة جمال المجيد فقد قتل صدام كل عائلته فقتل والده وثلاثا من إخوانه وأخته وفي النهاية أرسل من ذبح والدته من الوريد إلى الوريد ليلا على عادة الطغاة.
والسلطة تميل إلى الفساد. وقليل من السلطة تعني قليلا من الفساد. وسلطة مطلقة تعني عمى مطبقا وفسادا كاملاً وظلاما دامساً إذا أخرج يده لم يكد يراها.
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. وحينما يخسر الإنسان نوره الملائكي يستبدله بظلمة الشياطين.
ومن باع نفسه للقوة ارتهن للقوة فظن نفسه إلهاً مع امتلاك القوة، وعبدا ذليلا مع خلع القوة من يديه. وهي مشكلة التوحيد، والقضية التي كافح من أجلها الأنبياء، لإخراج نموذج جديد لا يركع للقوة ولا يحرص على امتلاكها.
وإنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة.
والغرب حل أعظم معضلة سياسية وهي مركزية السلطة فسحبها من أيدي البشر وحرر المجتمع من الوثنية السياسية.
وشيراك كان يوما صديق صدام الحميم ولا يمنعه في فرنسا أن يكون مثل صدام لولا الشعب الفرنسي. وتنطبق نفس القاعدة على بن علي وساركوزي وميركل والقذافي.
والسلطة ألذ من كل اللذائذ مجتمعة لأن فيها سر الإلوهية.
ومن ختم على رياض الترك في زنزانة إفرادية سبع عشرة سنة كان يرسل الناس إلى الموت بكلمة ويصرف الملايين بإشارة فمن يقف أمام هذا الإغراء؟
والملكة فكتوريا كما تحدث عنها الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد كانت تتمنى أن تحكم مثل الباديشاه العثماني، وما حجزها البرلمان البريطاني بعد أن طار رأس الملك تشارلز الأول عام 1649 م بحد السيف على يد كرومويل فلا داعي للتكرار.
وعندما يسألنا سائل عن ثقافتنا المريضة نقول إن هذه الأشياء موجودة في ديننا وأن الشورى أساسية في الإسلام، ونحن لم نشم رائحة الشورى لحظة في تاريخنا منذ سيف معاوية؟
والمشروطية التي نادى بها رجال الإصلاح في العراق في مطلع القرن الفائت لم تأت إلا من خلال الاحتكاك بالغرب.
ولم يكن عبد الرحمن الكواكبي ليكتب كتابه عن طبائع الاستبداد لولا احتكاكه بفكر الثورة الفرنسي. والأنبياء جاؤوا لتحرير الإنسان من علاقات القوة؛ فلا يتحول الفرد إلى إله مع امتلاك القوة وتافه مع فقدانها.
والتحليل النفسي يجعلنا نفهم لماذا ظهر صدام البطل في منظر البؤساء، كما يجعلنا نفهم سطحية أكثر العقول السياسية العربية التماعاً في المحطات الفضائية حينما قالوا إن هذا ليس صدام أو أنه مخدر. والحقيقة أنه ليس مخدر وهو هو ولكنه طاغية انكشف فيه جانب الحقيقة الثاني؛ فرأينا صدام بدون سلطة لأول مرة. وما كنا نرى من قبل صدام في السلطة.. فهو قاتل ومسكين.. جبار وتافه.
وسيتكرر نفس المشهد للطاغية الليبي؟