الثورة حركة اجتماعية تقوم بسبب التناقض وعلى التناقض وتحمل في طياتها تناقضات أعلى وأعقد لأنها حركة إلى الأمام. لذا، فإن مجرد وجود حكومة الجيش يثير الخوف، كما أن توازي التطمينات من قبل الجيش يثير القلق. هل يمكن لثورة أن يتحكم بها فريق من العسكر يطمئن أميركا والكيان ويزعم أنه يقود فترة انتقالية لتنفيذ مطالب الثوار. لا بل إن مطالب ليست التعبير الحقيقي، فالمطروح حقوق أمة لا مطالب وحسب. هل يمكن حل مجلسي الشعب والشورى وبداية جس النبض لإعطاء عمر سليمان منصبا رفيعاً؟ هل سيعين رئيسا للجمهورية للفترة الانتقالية؟ رغم الثورة، بل رغم أنف الثورة ما زال الحكم بأيدي جيش أميركا ووزارة مبارك، ورجل الموساد والمخابرات المعولمة. لم يتغير شيئا بعد. هل يراهن هؤلاء على برود الجذوة الثورية؟ هل سيقوموا في ليلة ما بها قمراً باعتقال رموز شباب الثورة؟ هل سيدعموا فريق الشباب الذي دربته هيلاري كلينتون (ربما دربتهم على كل شيء) فيخرجوهم كقادة للثوار؟ هي يقوم فريق الحكم هذا بتلميع وتركيع ورشوة قيادات كثير من الأحزاب؟ إن الثورة المضادة تعيد الاصطفاف وتجمع الخيوط في الظلام!
إن بقاء الأحكام العرفية هو المناخ الأنسب لتمكين العدو الداخلي من ثورة الشعب. وبقاء الأحكام العرفية هو مبرر وضع العسكر في قمة السلطة بدل مجلس حكم من المدنيين ذوي الخبرات الوطنية والعلمية. فمن قال أن التكنوقراط وحدهم الذين يعرفون الإدارة؟ ليس هذا حديثا ثوريا ولا علمياً. فإذا كان الجنود حمير كل عصر، فإن التكنوقراط ثعالب كل عصر. هؤلاء الذين ينخُّون دوماً للحاكم. إن الأمم حين تفرز قيادات وأخلاق وقيم في لحظات الثورة لا شك قادرة على فرز بل هي تحتوي كفاءات ثورية وعلمية معاً. أليس بوسع سمير امين أن يكون مستشارا للاقتصاد واشرف بيومي مستشارا للصناعة وفهمي هويدي للثقافة، وصنع الله إبراهيم للفن والأدب، وأحمد شعبان للشؤون السياسية وحمدي قنديل ضد التطبيع. فهم كفاءات علمية وثورية ووطنية. هل تفتقر مصر الى كفاءات وهي التي علمتنا جميعاً. لست اقصد هنا توظيف هؤلاء الذين ربما يرفضون العمل الوظيفي ويفضلون التبرع والتطوع. هذه الحالة المطلوبة ليكون الجيش حاميا لها، وليس سيدا عليها وعلى الشعب.
إذا كان الجيش لحماية الوطن، فلماذا يحمي الحكومة التي كانت تحمي الديكتاتور وتحمي الفساد وتشارك فيه، وتحمي الارتهان لأميركا والكيان الصهيوني، وتحمي عمر سليمان الذي كان ممثل سلطة الخيانة على الصعيد العالمي، وهل هناك جهازا دوليا ومعولماً أكثر من جهاز المخابرات؟ أليس عمر سليمان هو مهندس حصار غزة، اي حصار المقاومة تحت غطاء حصار الإسلاميين. إن مقارنة بسيطة تكشف كم كان ولا يزال هذا النظام عدواً لمصر والعرب. هل العلاقة الحدودية بين ثورة فيتنام والصين والاتحاد السوفييتي كالعلاقة الحدودية بين تظام مبارك والمقاومة في غزة!
لنقرأ جيش مصر منذ انقلاب السادات وامتداده مبارك. لم يكن الجيش مشغولا ضد التهديد الخارجي فالعلاقة مع الكيان تنسيقية وناعمة، والدولة على حجمها كانت قزما صغيرا يلهث لينافس قطر على حضن اميركا والكيان. فلماذا لا يحتل السلطة إذن؟
أليس من الحكمة أن يتنبه الثوار إلى هذا، وإلى دعم البيت الأبيض للجيش؟ ألا يجب أن يفضح هذا التحالف الموسع الذي يتبلور ويحكم في مصر اليوم:
• قادة الجيش
• وزارة حسني مبارك يحركها عمر سليمان
• والوسطيين من ابناء الطبقة الوسطى الذين تدربوا لدى هيلاري كلينتون.
أليس من الحكمة أن نتنبه بأن راس المال يدير الدفة تحت ملائة سوداء؟ لم يتخلى مبارك سوى حينما بدأت ملامح العصيان المدني، ولم يعلن الجيش بعض التنازلات إلا حينما بدات التحركات العمالية. هو إذن بارومتر دقيق يقيس بمقياس الثروة ونهب الفائض، ولا يأبه كثيراً لأغاني الشباب.
أليس من المقلق أن يتحدث بعض قادة الشباب بأنهم حين ووجهوا بغياب قيادة لهم، ليقول، لقد اقترحنا البرادعي. هذا الرجل الذي يحمل من عمره خمسون عاماً في خدمة الولايات المتحدة. وعاد إلى مصر كمستوطن جديد! أليس من المقلق أن يُعقد لواء الثورة إعلامياً لقناة الجزيرة في قطر، وأن يتحدث عضو الكنيست عزمي بشارة عن أهمية دور الجيش، وهو ما زال يكتب أن "إسرائيل حقيقة عليكم الاعتراف بها" ويسمونه المفكر القومي الكبير. هل قطر في أميركا أم أميركا في قطر وقطر في تل أبيب بوساطة فلسطيني! !
يمكننا فهم أن شعارات الثوار ليست قومية ولا اشتراكية بما ان هذا يرتد إلى تربية قطرية خطرة منذ أكثرمن ثلاثة عقود، وبأن بين الثوار فرقة من اولاد هيلاري، وأن الطبقة الوسطى تميل إلى رياح عربية. ولكن بإمكاننا المراهنة على أن الثورة الشعبية غذا لم تُغتال، وهذا وارد، فإنها سوف تفرض نفسها حين يتمتع الشعب بحرية حقيقية، حرية في السياسة والاقتصاد والثقافة، فالحرية تفرض رفض الكيان ورفض الإمبريالية بالضرورة، والاقتصاد يفرض الوحدة ويفرض الاشتراكية. والكيان والمركز يرفضان الحرية الحقيقية ويخشيان منها.
ما يُمكن أن يأتي متأخراً هو ما يحتاج إلى النضوج على نار هادئة. وما يمكن تحقيقه فورا في حالة الثورات هو كنس أعداء الثورة وليس بقاء السلطة بأيديهم. إن لم تتابع الثورة كنس هؤلاء، فإن إمكانية طحنها واردة. من قال إن ديكتاتوراً بحجم ما فعل وسرق وقتل وباع وخان حسني مبارك تحميه في شرم الشيخ بدل ان تعتقله وتحاكمه وتفرض عليه إعادة ما سرق.
لا يمكن لمن يحمي مبارك أن يحمي مصر.