بدأت رحلته يوم الأربعاء الماضي من طرابلس ولم يصل إلى تونس إلا يوم الأحد صباحا، بعد أن عرف أن إصابته خطيرة وتتطلب العلاج في الخارج.
وصل المواطن الليبي عبد الباسط الككلي إلى تونس وفي قدمه اليسرى أربع رصاصات، وفي جيبه عدد من بطاقات ذاكرة الهاتف وآلات التصوير فيها صور عشرات المظاهرات شارك فيها بطرابلس، ليس هذا فحسب بل وصل بذاكرة شخصية "سجلت شهادات الموت" في العاصمة الليبية.
يصف سكان طرابلس بأنهم "بحق أسرى" لدى العقيد معمر القذافي والمحيطين به، فالمدينة كما يقول محاصرة عبر مداخلها بالدبابات والمركبات المدرعة ونيران المدفعية.
لم يكن الككلي (42 سنة) يعرف وهو يعود إلى طرابلس قبيل بدء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام القذافي أن هذا الأخير يجهز لشن "حرب إبادة" ضد شعبه في "عصر سلطة الجماهير"، الذي يحلو للعقيد أن يقول إنه أدخل إليه ليبيا منذ عقود.
يقول الككلي إنه عايش بداية الرعب في الرد على المطالبين بتغيير "اللانظام القائم" في مناطق بالعاصمة مثل القرجي وغوط الشعال ودريبي وقرقارش والسياحية وأمام مجمع المحاكم.
يقلب ذاكرته التي ازدحمت بالأحداث غير المرتبة، ليروي للجزيرة نت كيف حضر عشرات المسلحين من "فرق الصاعقة" التابعة للقذافي مدعومة بعشرات المسلحين بالسيوف والسكاكين للتصدي لمظاهرة "لم تتجاوز بعد الشارع الرئيسي في القرجي وكان الرد يوحي بأنهم لا يريدون قمع المتظاهرين بل التخلص منهم".
ويواصل الككلي سرد شهادته -تقطعها بعض التأملات في قدمه الجريحة- قائلا إن يوم الاحتجاج أمام مجمع المحاكم بطرابلس كان "فارقا"، ويؤكد أن جنود القذافي "انتهكوا المحرمات فانهار جدار الصمت لدى المحتجين".
ويقول إن الجنود حاولوا اعتقال ثلاث بنات كن وسط المتظاهرين ما أدى "لتمزيق ثيابهن بالكامل"، وهو أمر مزق الصمت لدى الحاضرين وأجج مشاعر الغضب تجاه عناصر الأمن ومن يقف وراءهم بالتعليمات.
ويعتبر أن هذه الحادثة كانت سببا في "حسم المترددين مواقفهم بعد أن عرفوا أن قاموس النظام لا يحسب لشرفهم أي حساب في سبيل بقائه"، وهو ما تجسد في خروج المئات لأول مرة من أمام جامع معهد النفط بالسياحية متوجهين لمنطقة القرقارش.
ويعود الككلي إلى أول لحظة تحول فيها شعار المظاهرة من مساندة لمدينة بنغازي شرق البلاد -التي انطلقت فيها الاحتجاجات ضد القذافي منذ منتصف فبراير/شباط الماضي- إلى ثورة على "قائد الثورة والنظريات الفاشلة"، حيث يقول إن "صمتا مطبقا ساد الشارع حين رفع شعار يدعو لإسقاط القذافي وأبنائه".
اندفاع الشباب -يضيف الككلي- ساهم في سرعة تجاوز "دقيقة الصمت" وبدؤوا يتلمسون الحرية، وأحرقوا مقر قاعة الشعب المقابلة لمجمع سوق الثلاثاء غير بعيد عن باب العزيزية، المنطقة المعروفة بأنها قلعة القذافي الحصينة.
ويمضي قائلا إنه رأى بأم عينيه كيف دهست سيارة رباعية الدفع عددا من المتظاهرين، بنيهم من كان في المقدمة يصور بكاميرا هاتفه، و"في نفس هذه اللحظة وصلت سيارات تطلق النار في كل الاتجاهات"، وهو ما أدى لإصابته وأحد أقاربه الذي اخترقت رصاصة قدم.
وأكد أنه شاهد "إصابات فظيعة حيث قسمت بعض الجثث، واحترقت أخرى ومن ينجو يعود إلى البيت بعاهة مستديمة بينها من فصل أحد فكيه بالكامل".
غير أن الككلي الذي جهز مع مقربيه أرقام أطباء لعلاج المصابين داخل المنازل، لم يتلق العلاج في المنزل بسبب تلقي الأطباء بلاغا يحذر من المعالجة خارج المستشفى، فاتجه للمستشفى المركزي بطرابلس مسنودا بأحد أقاربه.
وفي المستشفى تعذر عليه العلاج لوجود بلاغ آخر يدعو إلى ضرورة تسليم أي مصاب إلى رجال الأمن الذين يجوبون ممرات المستشفى، وأضاف أن أحد أقاربه أنقذه من الوقوع بين أيديهم وروى له كيف جمعوا الجثث والمصابين ووضعوهم في أكياس خضراء بعد أن شلوا حركتهم بغاز مخدر ونقلوهم لجهة غير معلومة.
كما أكد أن آلاف العمال الأجانب من مختلف الجنسيات يقع تجميعهم في باب العزيزية تحسبا لهجوم جوي محتمل على المنطقة، ويريد القذافي بذلك أن تتحول إلى "مجزرة متعددة الجنسيات".