في الحقيقة، إن من أشعل فتيل الثورة هو التراكم الطويل للذلّ، القهر، الاستغلال، النهب، فقبض الشباب على اللحظة التاريخية « النوعية » لتصهر إرادة الجميع بهذه اللحظة، ملبية رغبة المسار، وسياق المرحلة، باندلاع الثورة. شباب، لا يجوز على الإطلاق التعامل معهم كمفهوم متجانس، وانما شباب قادم من أوساط متعددة، وسطى، شعبية، ومعدمة، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى، فقد عمل البعض على اختزال قوى هذه الثورة بالطبقة الوسطى وبأنها صاحبة المبادرة لتسترد كرامتها عبر مطلبها المقتصر على مطلب الحرية، ووصل البعض الى حد اختزال وصفها بثورة الكرامة... نقول لليبراليي العصر الحديث : لو ان الطبقة الوسطى تشكّل الأغلبية الساحقة، لانتفت الثورة من جذورها، لأن هذه الطبقة يمكنها ان تكون مؤشراً على نهضة المجتمع، توازنه واستنارته، وحتى لو انها كانت هي المبادرة، فإن من سيعمل على تجذيرها هم الفقراء، البسطاء من الناس، وجزءاً متواضعاً من الأنتلجنسيا المصرية، هؤلاء سيمنحونها الجوهر، المعنى والاطار الحقيقي الجامع عبر مطلب العدالة الاجتماعية والمساواة. أما إذا كانت رغبة عدم ادماج هذه الطبقة في جمهور المعدمين نابعة من افتراض ذهني وغير واقعي، بأنها سوف تتفارق وتترسمل وتنجز مهام التحول الرأسمالي وتبني المشروع البورجوازي الوطني المستقل، المرتبط أصلاً بمستوى تطور القوى المنتجة وتحقيق التراكم النقدي المطلوب، فلا أحد يعلم ما سوف تفضي إليه هذه الثورة من شكل للحكم، ماهيته، وحتى الشكل الاجتماعي للإنتاج. وما يستدعي الغيظ أيضاً من نزوعات الأخوة الليبراليين هؤلاء هو : تعاليهم على الفقراء والانتقاص من كرامتهم، عندما يردّون أسباب التظاهر الى جوعهم وطلبهم للخبز وإسقاطهم الى درك البهيمية !.. وما الضير في ذلك، إذا كانت الأغلبية الساحقة من الشعب المصري تعيش تحت خط الفقر وما دون، في الوقت الذي تراكم فيه الطبقات الحاكمة المليارات من الدولارات، ماذا نريد من المصري البائس، المعدم، ان يفعل؟ يسرق، ينهب او ان يثور في وجه مستغلّيه وسارقي خبزه؟ ومن قال إن ثورته لا تشكّل بحد ذاتها فعل تمرد، فعل حرية واسترداد كرامة؟ وحتى اذا كان الجوع هو الدافع، فإنه يتبدل، يتغيّر مع تقدم الثورة او يأخذ أشكالاً متعددة، متنوعة ترتقي الى ما هو أرفع من المعدة الخاوية، لأن الثورة تخلق الوعي بالحرية عند الجميع بمن فيهم سكان العشوائيات وضحايا السياسات الاقتصادية.
إن هذه الثورة عصية على التأويل والتجيير، ولا يجوز الانقضاض على مسارها، غاياتها، لتلبي حاجة ذاتية، نفسية، عند البعض من هؤلاء المنظرين المتعالين على الواقع، فإن بسطاء الثورة وموظفيها، عمالها، مثقفيها النقديين، هم وقودها الحقيقيون لما يتحلون به من نفس طويل وسعة أفق.
ثورة شعبية ومتجانسة أم متمايزة؟
لا أحد يختلف على أن الثورة المصرية، بدأت شبابية وانتهت شعبية، لأن لحظة الثورة هي لحظة إجماع، فالاستقطاب السياسي الحادّ يأبى الحياد الذي يعتبر خيانة في هذه المرحلة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل الشعب المتظاهر في الساحات متجانس، بمعنى أن له الغايات والتطلعات نفسها، ام ان برامج البعض سوف تتعارض وتتفارق مع الأغلبية الساحقة فيما بعد؟؟
لمقاربة الإجابة ولمقاربة الموضوع عن كثب، وبناء على تحديد واقعي لطرفي الصراع، نخلص الى استنتاج مفاده : إن القطبين الرئيسيين للصراع هما : الطغمة الطبقية الحاكمة والمتضررون من سياستها كبعض فئات البورجوازية المصرية التي منعها النظام الأوليغارشي من المنافسة والتوظيفات المالية، محتكراً التوظيفات لنفسه في مجال العقارات والمضاربة في البورصات. نظام وجد ليعمل للخارج، وهناك اصحاب المال الصغير الذين لجم النظام مجال استثماراتهم في الإنتاج فمنع رسملته. لأن استثمارات رساميل الطغمة الحاكمة ذات طابع طفيلي مقتصر على مجال المضاربات والتجارة أي في قطاع التداول. كما ان عناصر من الطبقة الوسطى الحديثة ركبت موجة الثورة لدواعٍ محض انتهازية وبراغماتية. وبالمناسبة فإن عناصر من هذه الطبقة الوسطى الحديثة راكمت مالاً صغيراً مستفيدة من سياسة الإفساد والفساد التي نهجها نظام « الحزب الوطني » الحاكم.
إن ميزة الثورة المصرية أنها مستمدّة من خصوصية التركيب الطرفي المحيطي، بمعنى انه لا توجد هنا طبقتان متصارعتان يقضي انتصار وهيمنة إحداهما الى الانتقال والتغيير الجذري لنمط الإنتاج وشكل الحكم، فضيلة هذه الثورة أيضاً أنها أنجزت ما لم تنجزه طبقات. فهي أحرقت مراحل واختصرت ثورات البورجوازية، الديموقراطية، التحررية الوطنية، دون الاشتراكية، على الأقل مبدئياً في ثورة واحدة، وأتت لتؤكد على ما كان ينقص الثورات السابقة وهو الديموقراطية ـ التعددية، والتي لطالما كانت العنصر الغائب في الثورات السابقة، وكان غيابها سبباً بانهيار نظم وتبدل ثورات.
كاتبة سورية
إن هذه الثورة عصية على التأويل والتجيير، ولا يجوز الانقضاض على مسارها، غاياتها، لتلبي حاجة ذاتية، نفسية، عند البعض من هؤلاء المنظرين المتعالين على الواقع، فإن بسطاء الثورة وموظفيها، عمالها، مثقفيها النقديين، هم وقودها الحقيقيون لما يتحلون به من نفس طويل وسعة أفق.
ثورة شعبية ومتجانسة أم متمايزة؟
لا أحد يختلف على أن الثورة المصرية، بدأت شبابية وانتهت شعبية، لأن لحظة الثورة هي لحظة إجماع، فالاستقطاب السياسي الحادّ يأبى الحياد الذي يعتبر خيانة في هذه المرحلة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل الشعب المتظاهر في الساحات متجانس، بمعنى أن له الغايات والتطلعات نفسها، ام ان برامج البعض سوف تتعارض وتتفارق مع الأغلبية الساحقة فيما بعد؟؟
لمقاربة الإجابة ولمقاربة الموضوع عن كثب، وبناء على تحديد واقعي لطرفي الصراع، نخلص الى استنتاج مفاده : إن القطبين الرئيسيين للصراع هما : الطغمة الطبقية الحاكمة والمتضررون من سياستها كبعض فئات البورجوازية المصرية التي منعها النظام الأوليغارشي من المنافسة والتوظيفات المالية، محتكراً التوظيفات لنفسه في مجال العقارات والمضاربة في البورصات. نظام وجد ليعمل للخارج، وهناك اصحاب المال الصغير الذين لجم النظام مجال استثماراتهم في الإنتاج فمنع رسملته. لأن استثمارات رساميل الطغمة الحاكمة ذات طابع طفيلي مقتصر على مجال المضاربات والتجارة أي في قطاع التداول. كما ان عناصر من الطبقة الوسطى الحديثة ركبت موجة الثورة لدواعٍ محض انتهازية وبراغماتية. وبالمناسبة فإن عناصر من هذه الطبقة الوسطى الحديثة راكمت مالاً صغيراً مستفيدة من سياسة الإفساد والفساد التي نهجها نظام « الحزب الوطني » الحاكم.
إن ميزة الثورة المصرية أنها مستمدّة من خصوصية التركيب الطرفي المحيطي، بمعنى انه لا توجد هنا طبقتان متصارعتان يقضي انتصار وهيمنة إحداهما الى الانتقال والتغيير الجذري لنمط الإنتاج وشكل الحكم، فضيلة هذه الثورة أيضاً أنها أنجزت ما لم تنجزه طبقات. فهي أحرقت مراحل واختصرت ثورات البورجوازية، الديموقراطية، التحررية الوطنية، دون الاشتراكية، على الأقل مبدئياً في ثورة واحدة، وأتت لتؤكد على ما كان ينقص الثورات السابقة وهو الديموقراطية ـ التعددية، والتي لطالما كانت العنصر الغائب في الثورات السابقة، وكان غيابها سبباً بانهيار نظم وتبدل ثورات.
كاتبة سورية